بعد إدراج الأهوار في التراث العالمي 1/2
ذي قار- حسين الساهي:
عندما تكون البيئة معطاءة للخير ينعكس هذا العطاء على شخصية الإنسان وهو وسطها، وبقدر حجم العطاء تتولد قيم إنسانية متسامحة، يكون التراث والأثار بعض سجلها الذي نحتاج لأستقرائه كي نستعيد بعض معالم شخصيتنا التي هزتها محن الحروب وظواهر سلبية ولدتها.
ومن اجل تسليط الضوء على عطاء وادي الرافدين وإعادته إلى اذهان ابنائه اقامت مؤسسة امار (AMAR) الخيرية الدولية 3 ورش في ثلاث محافظات تكتظ بالطبيعة المعطاء والتراث الإنساني الشعبي المتوارث والأثار العريقة عراقة المعرفة الإنسانية والحرف الأول والعجلة، ويشهد المتحف البريطاني في قاعة اثار وادي الرافدين أنه «في سومر قبل 3500 ق.م. اخترع الحرف»، فكانت العقول المتخصصة علمياً والخبرات الفنية ومنظمات المجتمع المدني حاضرة في ورش محافظات ذي قار وميسان وبابل.
ولأن علماء الأثار يرجعون بداية المعرفة المكتوبة إلى سومر حيث اخترعت الكتابة المسمارية، كانت الورشة الأولى لمؤسسة امار فيها، التي شارك فيها عدد من اساتذة الجامعة المتخصصين بالآثار وسبل حمايتها، مشخصين البعد العميق الذي تعنيه اثار سومر في الكشف عن قيم إنسانية عريقة قامت على ارض وادي الرافدين، حيث يسجل التاريخ قبل اكثر من 4000 سنة كيف ان مواطني حضارة الرافدين تعايشوا وضمنوا حقوق بعضهم البعض، التي تطورت وارتقت حتى صارت «شريعة» حمورابي في بابل.
علي ناصر مثنى المدير الإقليمي لمؤسسة امار الخيرية الدولية قال في مداخلاته المتكررة في الورشات الثلاث «إن النزعة الذاتية للإنسان لن تتحقق للفرد من دون ارتباطه بـ»الجماعة»، وهذه الجماعة مع التحضر «توطنت» في ارض، بالتالي فان الجماعة صارت شعبا ، والمكان وطنا ، بالتالي فصار ارتباط الفرد بالشعب والوطن سبيلا رئيسا من سبل تحقيق الذات بغيرها يضيع الإنسان.
من هذا المنطلق نحن ندعو في مؤسستنا إلى ضرورة عمل كل ما هو ممكن لإبراز تراثنا الحضاري لتعزيز ارتباط الإنسان بجماعته، شعبه، وبالأرض وطنه، من اجل حشد كل العوامل لإسترجاع التعايش المجتمعي، الذي يعد الركن الرئيس في الأستقرار والأمن، مما يفسح المجال عريضاً للبناء والتقدم بما يحقق العطاء المتبادل للجميع.»
واضاف «أن الدولة ترزح حالياً تحت اعباء تراجع العوائد النفطية، ومهام دحر قوى الظلام المعتدية على سيادة العراق وامن شعبه، وإعادة بناء ما خربوه، بالتالي ليس من الصحيح مطالبة السلطات المعنية، بالأخص السلطة التنفيذية بالتوجه نحو مشاريع الآثار والتراث، لكن ينبغي عليها تسهيل نشاط المجتمع المدني المحلي والمنظمات الدولية، في مقدمتها اليونسكو، لدعم مشاريع حماية التراث الإنساني من آثار العراق وبقية تراثه، لأنه ثروة للإنسانية جمعاء. ومن هذا المنطق ينبغي بلورة مشاريع واضحة وحساب كلفها لتتولاها جهات مدنية من القطاع الخاص، ولا بأس من دعم المنظمات الدولية، لكن المنطلق هو ان نحدد ما نريد ووسائل تحقيقه بوضوح وشفافية ودقة في حسابات الكلف وسبل الأنفاق.»
واستنتج قناعة عميقة بـ «ان سومر وبابل وآشور هي اكبر من المنظمات الدولية، واكبر من يونسكو، واية منظمات دولية اخرى، بما فيها المؤسسة التي امثلها، لكن هذه المؤسسات لن تتحرك بجدية نحو التعاون معنا، ما لم نبدأ نحن العراقيين خطوات عملية، قد تكون بسيطة، لكنها تشكل نقطة شروع صحيحة ، فمثلاً التحديد الواضح لمناطق الآثار وحمايتها، والعمل على سلامة مواقعها.»
ولفت الانتباه إلى «مخاطر عدم الأقدام على ما يلبي متطلبات اليونسكو وتنفيذ اشتراطاتها بشأن مستلزمات تثبيت ادراج الأهوار في التراث العالمي، حيث ان المراجعة ستتم في منتصف شهر كانون الأول المقبل، وبعكسه فان كل الجهود التي بذلت لإدراج الأهوار في التراث العالمي ستضيع هباء.»
وكانت السيدة اجيال الموسوي عضو مجلس محافظة ذي قار قد سجلت على وزارة الثقافة والآثار والسياحة عدم حضور ممثل لوزارة الثقافة في اللجنة المشكلة في ذي قار لحماية الآثار وتطوير الأهوار، على عكس وزارة البيئة التي تتابع وتتعاون. من ناحية اخرى اشارت إلى ان اللقى المنقولة إلى المتحف الوطني لا يتم عرضها إنما يتم تكديسها بكل ما يعنيه من عدم توفير الصيانة والحماية.
وقال محسن عزيز «إن الأهوار التي كانت تغطي 56 الف كم مربعً انحسرت إلى 7 الاف كم، حيث جزء رئيس من 1200 موقع اثري يقع ضمنها ، مشيرا إلى ان لسومر مكانة في وجدان الإنسانية جمعاء، ففي اور مواقع يتوق الاجانب، بجانب المسيحيين العراقيين، الحجيج لها. ومشروع زيارة البابا كان احد معالمها العالمية الذي لم يتحقق مع الأسف ، بجانب الأهمال والتلوث الذي يدمر بيئة الأهوار ويخرب الآثار، إضافة إلى التجاوزات والسرقات احياناً ، كما ان اهوار العراق تظل معبراً لهجرة 40 نوعاً من الطيور، منها 12 نوعاً مهدداً بالأنقراض.
وبحكم ما اتسمت به ورشة ذي قار من كفاءات علمية، حيث شارك فيها حشد من المتخصصين، منهم د. سدخان الناشي الذي تناول «معايير العمل المدني في الأهوار بعد اضافتها إلى التراث العالمي»، ود. عدي بجاي والباحث عامر عبد الرزاق اللذين بحثا في «المدن الأثرية للتراث العالمي في ذي قار بين التصويت والتطبيق»، والباحثة شذى القيسي التي تناولت «قطاع التربية الحيوانية واثره في تنمية الاقتصاد الوطني ودعم ملف الأهوار»، فخرجت الورشة بمجموعة توصيات تناولت النهوض بمستوى السكان المحليين وتوفير مشاريع صغيرة للحيلولة دون قص القصب وحماية حالة البيئة القائمة وتنميتها، من خلال رفع كفاءة سكان الأهوار والارتقاء بمهاراتهم وتوظيف بعضها في صناعات تراثية وعدم الخلط بين المكسب السياسي والثقافي في ملف الأهوار، وحشد كل الطاقات لتأهيل ملف الأهوار لمراجعة اليونسكو نهاية العام الحالي، لأن النشاط السياسي وحده لن يضمن تثبيت إدراج الأهوار في لائحة التراث العالمي.
كما تناولت التوصيات العمل على توظيف الخبرات العالمية في ترويج الأهوار عالمياً والإفادة من الخبرات العالمية في هذا المجال، حيث ان صخرة «الروشة» تحولت إلى معلم سياحي عالمي مقارنة بكل ما تمتلكه اهوارنا من عناصر جذب تفتقر للتسويق وتوعية سكان الأهوار وبقية المواطنين بمستلزمات الحفاظ على التنوع الأحيائي في الأهوار وحماية الطيور المهاجرة من القتل والاتجار العشوائي والعمل على تهيئة محطات استراحة مناسبة لزوار الأهوار والسياحة فيه ، بما يتجاوز المرور السريع وتشكيل هيئة ترتبط برئيس الوزراء معنية بإدارة ملف الأهوار والآثار الكامنة فيه، لتجاوز الخلط والتضارب القائم حالياً.
وتناولت التوصيات ايضا تنظيم اجراءات تسهل تحرك المجتمع المدني والقطاع الخاص ضمن خطة إحياء الأهوار وتطويرها ووضع خطة عملية تشجع المواطنين ، مادياً ومعنوياً ، على إعادة اللقى والآثار التي بحوزتهم مع التوعية بالمسؤولية القانونية التي يتعرض لها المواطنون بموجب قانون الآثار رقم 55 لسنة 2002 وإقامة جامعة موقعية بالتعاون مع مراكز الدراسات والجامعات العالمية في ذي قار، وتطوير قاعة المتحف المحلي..(تعهدت مؤسسة امار بتولي تطوير المتحف المحلي وتأهيله.)