اسقاط النظام.. ام اصلاحه؟

عادل عبد المهدي
وزير النفط السابق
كلما طُرح موضوع عام للنقاش، ينبري البعض ليقول بنحو او آخر انه لا جدوى من الحديث، فالمطلوب ازاحة جميع القوى السياسية، ويذهب البعض لاسقاط مجمل النظام، متحججاً ان الطبقة الحاكمة قد فشلت خلال الـ14 عاماً الماضية. وللايجاز نقف امام تيارين يعصفان بالحياة السياسية. تيار يطالب بالإصلاح، وآخر بالتغيير الشامل. فأيهما على حق؟ وهل هناك امكانيات لاصلاح الاوضاع، ام ان النظام بمجمله وصل نهاياته، واننا على اعتاب ولادة نظام جديد؟
1 – ليست جريمة الكلام عن تغيير النظام ما دامت الدعوة سلماً وبالوسائل الشرعية.. كما من المشروع تماماً طرح شعارات ومناهج الاصلاح من قبل الحكومة او القوى السياسية سواء رسمياً او شعبياً، في الملفات الجزئية او الشاملة.
2 – الحقيقة ان الملفين مرتبطان، يقود واحدهما للاخر.. فتغيير النظام عبر الثورة، الاغتيال، الانقلاب، الانتفاضة، العصيان، الحرب الاهلية، التدخل الخارجي وغيرها لا اساس واقعي لها. ومثلما يقال ان القوى السياسية فشلت ، فان القوى التي فكرت بكل الاساليب اعلاه او مارستها قد فشلت، خلال الـ14 عاماً المنصرمة ايضاً. فتم تسقيط الدستور، مقاطعة الانتخابات، رفع السلاح، العصيان، الاغتيالات، التفجيرات، وكثير غيرها، وقد فشلت جميعها. فمن المفارقات ان كلا من التيارين قد اسهم بتقوية الأخر وإضعافه.
3 – أسهمت القوى الصاعدة بعد 2003، بالتمسك بالدولة الريعية المحتكرة وتشريعاتها السابقة واضافة تشريعات جديدة تعززها، التمسك بالمواقع والمحاصصة، اعتماد الاسلاموية والطائفية والاثنية والمناطقية ركيزة لترسيخ السلطات واحتلال المواقع وتعبئة جمهورها وخوض الانتخابات من خلال شعاراتها، استخدام ميليشيات تستظل بالدولة او بقوى سياسية لفرض الامر الواقع على جمهور مناطق واحياء كاملة، التعامل مع الموروثات و»الاجتثاث» والعلاقات الاقليمية والدولية بعقلية ماضوية انتقامية وليس واقعية ومستقبلية، أسهمت هذه السياسات بعضها او كلها بتفكك اطروحاتها وابتعادها عن الدستور والشعب، والتخلف عن توفير الخدمات وتحقيق التقدم، وتأليب وتعبئة مزيد من القوى الداخلية والخارجية ضدها.
4 – بالمقابل أسهمت القوى المضادة، والتي التحقت بها لاحقاً صراحة او عملياً في تعزيز قدرات القوى الحاكمة في مواقعها وبين جمهورها. فكثير من قوى النظام القديم لم تتعلم الدروس واعتقدت انها بمجرد التعكز على نواقص الواقع واخطاءه قادرة على ارباكه وازاحته.. بل ذهبت ابعد من ذلك بالتحالف الفعلي وتطابق المصالح مع قوى الارهاب و»داعش»، واعتقدت انها تستطيع التعبئة ضد التيارات الدينية او «الشيعة» او ايران، او غيرهم. فالارهاب و»داعش» والدعوات المبطنة او الصريحة للعودة الى النظم السابقة، او الدعوة لاسقاط النظام واستبداله بنظام جديد، تضعف النظام نسبياً، وتقويه مطلقاً.. فهي تمنع تفككه النهائي وتمنحه التعبئة المطلوبة لمواجهتها داخلياً ولكسب التأييد الاقليمي والدولي، مما يعزز من قدرات النظام، ويضيف لمصادر قوته مصادر قوة اضافية.
5 – هناك قوى من داخل قوى النظام ومن خارجه تتحرك مرة باتجاه طلب الاصلاحات، ومرة باتجاه اسقاط النظام. هذه القوى تضعف يقيناً النظام، لكنها في المحصلة تقويه ايضاً. اذ لم يبرز من داخل هذه القوى أي منهاج بديل، او وجوه جديدة لم تعرفها كواليس الحكم والعملية السياسية بشتى مستوياتها. وان استمرارها على هذا النهج سيقودها لارتكاب المزيد من الاخطاء خصوصاً انها لا تعالج مشكلات البلاد الأساسية بل تقف عند القضايا الشخصية والشكلية، ولا تتقدم بمنهاج وخارطة بل مجرد مطالب واتهامات. وستكون خطيئتها الكبرى الفوضى التي تزرعها في الدولة والمجتمع على حد سواء.
6 – ان الملفين مترابطان ليس سلباً فقط، بل ايجاباً ايضاً.. فمناهج الاصلاح تمتلك جميع الشروط الذاتية والموضوعية، خصوصاً بعد نجاحات الموصل، لفرض القانون، والتاسيس لنظام ديمقراطي تعددي اتحادي حقيقي، ينتج حكومة موحدة قوية، ودولة مؤسساتية ناجحة، تطوق احتكار الدولة وريعيتها، لمصلحة مالكية الشعب والاقتصاد الوطني، مما يمهد لانطلاق تنمية الموارد البشرية والمادية وتوفير الخدمات والتصالح مع النفس وبناء السلم الاهلي وحسن العلاقات بالجوار ودول العالم. فعملية الاصلاح بذاتها هي عملية تغيير كاملة. فمعادلة 2003 قد انتهت.. وان القوى القادرة على البقاء هي فقط القوى القادرة على التغيير او التي تلد معه.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة