اخترعت لنا السياسة اشياء لا وجود لها في قيم الاخلاق، حتى لتبدو انها صنعة اكثر من كونها علماً من علوم المجتمع والحياة، ومن خلالها قد تُضفي صفات انسانية على مخلوقات لا تستحقها، وقد يثير لدينا، خاطر ما، افكاراً عجيبة عن الحياة لا جنس ولا مقاس ولا طعم لها، وذلك حين نرصد جملة من المفارقات، وكأن السياسة لا ذاكرة لها، او كأن الساسة لا رؤوس لهم.
والحال، ان السياسة تبرر للخطايا مثلما تبرر للعثرات، وثمة القليل من ابطالها من يعترف بخطاياه وعثراته، ويطلب السماح والعفو، يحدث ذلك عادة في المحاكم، والسبب يعود، في جزء منه، الى ما كان يسميه الجاحظ بالبطانة، او ما يسميه الادب السياسي الايراني بالحبربشية..فالبطانة والحبربشية يغوون الزعامات الفارغة بمواصلة الخطيئة والسقوط في العثرات.
في حمية الاستتباع، والانحياز الاعمى للقبيلة أوالنوع أوالمذهب أوالدين أوالزعيم، قد يضطرون – وانا اتحدث عن ظاهرات سياسية – الى النزول منزلة الاساءة الى الممدوح ، الانحطاط السياسي في العراق فتح الباب (منذ العهد السابق) امام انحطاط فن الارتزاق ووجد تعبيره، الآن، في انتشار صور الساسة والمشايخ ، بنحو عشوائي مضحك، الساحات والمنعطفات وجدران العمارات العالية، رسمها (او ارتكبها) مبتدئون جهلة تفننوا في تصنيع البراءة والابتسامة على وجوه لا تبتسم في سرّها، وقبل سنوات قليلة اقامت بلديات مدن مباريات لمن يرغب برسم صور كبيرة لساسة ومتنفذين مُطاعين.
كنا نعتقد ان المشهد المقرف لجداريات وصور صدام حسين سيحل في ذاكرة ساسة العهد الجديد كمخلفات استفزازية بائدة، وستشكل وحدها ميثاقاً سياسياً واخلاقياً ضد هذه الظاهرة المعيبة، وليس من دون مغزى ان يهتم المراسلون الاجانب بنقل الجداريات والصور الجديدة من على جدران المدن الصماء ومنعطفات الشوارع الكونكريتية واعمدة الكهرباء الباردة بالكثير من الاستغراب، ولم يتوان مراسل فرنسي كان قد زار بغداد قبل عشر سنوات، من القول بعد ان زار العراق مرة أخرى»شاهدتُ صورة كبيرة لزعيم محلي تنتشر من حولها مستنقعات من الصرف الصحي، وتنام تحت قوائمها الحديدية نعاج ضعيفة وجائعة».
وهكذا فان السياسة تغوينا – إن لم نتحصن كفاية – على الاستطراد الفائض، وتكشف لنا المزيد مما لم يخطر على بالنا، فلم يكن برام ستوكر قد تخيل ان هناك مخلوقات تمص دماء البشر قبل ان يلتقي عام 1890 بنحو عابر بمصاص دماء من البشر ليخترع من دناءته شخصية دراغولا.
هجاء السياسة
التعليقات مغلقة