ما يشبه القوانة.. موضوع التسامح

(1 – 2)
موضوع التسامح وسبل تحقيقه في المجتمع العراقي اصبح مكررًا ومعظم موجباته صارت معروفة، لكن المشكلة تتمثل في احكام التسامح من جهة وفي تأشير المشمولين به من فئات سياسية ودينية وقومية من جهة ثانية.
والتسامح، الى ذلك، قديم جداً في الفكر الإنساني، وهو يتصل بعدد من المفاهيم القريبة منه، ويتمايز عنها، مثل المصالحة التي تعني البدء من جديد بعلاقات بين أطراف وأحزاب دخلت في خصومات وحروب وتحقق شيئاً من هذا اللقاء على وفق قاعدة لا غالب ولا مغلوب، أي أن تحقيق المصالحة يتمّ بإتفاق الطرفين بواسطة وسيط أو بمبادرة من أحد طرفي النزاع، وعلى شكل إتفاق مكتوب أو غير مكتوب، وكذلك مع مفهوم العفو العام الذي تعلنه السلطات عن أناس أو جماعات مطلوبة للحكومات أو يعيشون خارج بلدانهم أو مسجونين بأحكام معينة فتعفو عنهم وتسقط هذه الأحكام وتفتح أمامهم المجال لأن يعيشوا حياة طبيعية، غير أن هذا العفو يظل مشروطاً بالتزامات محددة. وثمة علاقة بين التسامح وفكرة الحوار الذي يُعّد خياراً سلمياً للتواصل بين مجموعات مختلفة ومتصارعة ومتحاربة تجد في نهاية النفق إمكانية للحلول الوسطى التي تتمخض عن الحوار على أساس توازن القوى واتفاق الأطراف المتصارعة وقبولها، علماً بأن الظروف السياسية والاجتماعية هي التي تحدد ذلك. اما الاعتذار واحترام الرأي الآخر فهي مفاهيم مجاورة للتسامح إذ تقوم جهة أو دولة أو أتباع مجموعة دينية معينة بالاعتذار من جهة أو مجموعة أو ديانة أو قومية معينة لما فعلته بالفترة السابقة. والاعتذار ثقافة عصرية مدنية حديثة تتسابق الشعوب المتمدنة على ممارستها، كما تتسابق الزعامات على تقديمها ليس من منطلق الضعف، وإنما من منطلق الرأي والرأي الآخر.
ان التسامح في مجتمعات قبلية وزراعية، مثل مجتمعنا، قضية مركبّة ومعقدة لكن لا يمنع ذلك من التساؤل: إلى أي مدى يمكن أن نتسامح؟ ولكن قبل هذا السؤال علينا أن نطرح السؤال الأكثر أهمية وخطورة وهو: مَنْ يسامحُ مَنْ؟ وعندها سوف نلامس الموضوع ونتحسس خطورته، فالضحية، في بدء الامر، هو الذي يبدأ بالتسامح مع اولئك الذين اساءوا اليه والحقوا الاذى به، وامثلة ذلك كثيرة في الفكر اليوناني والأغريقي الزاخر بالنصوص التي تدعو ان لا يبقى المرء اسير الأحقاد والتوترات الدفينة وكان سقراط الذي خاض صراعاً ضد الاستبداد قد قدم مفهوما ذاتيا عن التسامح والصفح عن خصومه فيما طور أفلاطون مفهوم التسامح في جمهوريته وعزّزها من بعده أرسطو طاليس ثم جاءت الديانات اللاحقة التي أخذت بفكرة التسامح وطوّرتها مثل اليهودية والمسيحية والإسلام. وإذا كانت اليهودية قد طرحت مفهوم التسامح بنحو أخلاقي فإن فكرة المسيح أصلاً أو المسيحية قائمة على التسامح إلى أن ظهر الإسلام الذي وردت فيه إشارات كثيرة إلى التسامح .
وشاءت المجتمعات الحديثة ان تضع التسامح في موضع التقديس وصاغت له التزامات ومفاهيم تدخل في مقومات الثقافة الجديدة، وانعكس ذلك في ميثاق الامم المتحدة الذي صدر بديباجته الأولى في الأربعينيات من القرن الماضي وتحدث عن حقوق الإنسان وقيم السلام والعدالة والمساواة وإلتزام البشرية بهذه القيم، وجاء في البند الثاني من المادة «26» من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي وردت فيه الإشارة أيضاً إلى الإلتزام بتنمية التفاهم والتسامح بين الشعوب حيث وضعت منظمة اليونسكو فكرة التسامح في قلب عملها الثقافي ثم تمخضت خلاصة الجهود الدولية عن وثيقة مبادئ التسامح.

*************
فريدريك نبيته:
«لسنا صادقين تماما إلا في أحلامنا».
عبدالمنعم الأعسم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة