لنعيد قراءة الزهاوي

ثمة اكثر من مائة عام على خطاب جميل صدقي الزهاوي حول التمييز الاجتماعي وآثاره ومظالمه، ففي مايس من عام 1914 القى الشاعر خطاباً مدوياً في مجلس المبعوثان في اسطنبول (مجلس النواب) وكان نائباً منتخباً عن لواء العمارة، بدأه بالسؤال التالي: «لماذا تجبى الضرائب من الفقراء عن دورهم ولا تؤخذ عن قصور ومضيفات (تكيات) أسرة آل عثمان وسائر املاكهم، مع انهم يتقاضون رواتب ضخمة من خزينة الدولة؟» ولم يسبق ان تجرأ خطيب او نائب على ان يهاجم بصراحة امتيازات الحكام وصفوة المتنفذين كما هاجمها الزهاوي الذي عرض نفسه، فيما بعد، للتنكيل.
ثم أردف القول، في قضية اخرى: «لقد أثبت تاريخ الامم انه كلما أشتد تضييق الخناق على أصحاب الاقلام والافكار كان الانفجار عظيماً وسريعاً وها نحن اليوم نشرع قانوناً يرمي الى محاكمة الكتاب والمفكرين قبل محاكمة المجرمين واللصوص».
ومن المفارقة القول بأن الحكومة الحالية، وفي العام 2014 دفعت الى مجلس النواب «مسودة قانون حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي» وهو القانون نفسه الذي قدمته الحكومة السابقة، من دون تعديل، واثار استياء واسعاً في الصحافة وبعض الاصوات النيابية، بالنظر لما يحتويه من نصوص تكبل حرية التعبير، وتبيح اعتقال المتظاهرين السلميين في عبارات استدراكية مثل «على ان لا تتعارض التجمعات والتظاهرات مع القانون او المصلحة العامة».
وفي لفتة اخرى قال الزهاوي: «لقد جاء في الآية الكريمة» إن الارض يرثها عبادي الصالحون» فلا يظنن أحد بأن القصد من الصالحين هم العُبّاد والنساك، وانما القصد الصالحون لأعمارهم» وهنا ضج النواب الذين يتخذون الدين وسيلة للاثراء وصاحوا «إنزل يا يا كافرا» وهذه المواجهة تنفع اولئك الذين يبحثون باصول وموارد الغبار التكفيري الذي يهب على العالم، وينفذ اشنع فصوله في محاكم الشوارع التي تعقدها حثالات داعش في العراق ضد كل من لا يبايع الردة.
وفي مناقشة اخرى مسّت، على الخفيف، شبكة فساد المؤسسة العسكرية العثمانية، حيث قدم جنرالات سلاح البحرية اعتراضاً على تعطيل «اوقاف» وهمية تُصرف على «دعاة دينيين» قالوا انهم يؤمنون «تسيير البواخر بالادعية» فنهض الزهاوي وقال: «إننا نعرف بأن البواخر تسير بالبخار فلماذا لا ننفق تلك الواردات على نشر التعليم ليتقن الناس استعمال البخار مادام هو الذي يسير البواخر.» فعاد التكفيريون الى الصراخ وتهديد الشاعر بالقتل، فاضطر، بعد ذلك الى تقديم استقالته والعودة الى العراق، وفي بعض المحاضر ان نوري السعيد كان من بين الذين دافعوا عنه ومنع الهمج من قتله.
********
« نحن نفكر فقط عندما تواجهنا مشكلة».
عبدالمنعم الأعسم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة