دعوات التظاهر.. حدودها وآفاقها

عادل عبد المهدي
وزير النفط السابق
كتبت في حياتي المقالات والابحاث الطويلة، وحاضرت والفت وترجمت الكتب. وقبل 6 اعوام بالتحديد قررت –وانا نائب رئيس الجمهورية- مخاطبة الرأي العام مباشرة، وعدم الاكتفاء بالمذكرات الداخلية الرسمية وغير الرسمية، وكتابة افتتاحية يومية قصيرة، مذيلة بتوقيع «العدالة»، وانا في الموقع.. وباسمي الصريح بعد الاستقالة. لتنشرها صحيفة «العدالة» وتنقلها متزامنة، او لاحقاً، بعض الصحف والفضائيات والمواقع العراقية والاجنبية. لم اتوقف يوماً، وتجمعت خلال السنوات نحو 1500 افتتاحية، مستهدفاً عصارة وعي الجماعة والافراد، ومتوخياً الصراحة والصدق مع نفسي والاخرين، وساعياً لدقة المعلومات. فتأخذ الكتابة احياناً وقتاً قصيراً.. واحياناً ساعات واياماً لتجميع الحقائق، متحرراً من أي خط حزبي او عصبوي، واضعاً الله وضميري وشعبي ووطني امام عيني، متعمداً الجمع بين النقد الايجابي العميق، والتصدي للتحديات والمخاطر، وتوحيد الصفوف، والتعريف بالافكار البناءة. ساترك للقراء الحكم. فان كانت مفيدة، فهو المطلوب.. وان كانت فاشلة فليضربوها عرض الحائط. كانت تصلني مئات، بل الاف التعليقات والرسائل. ولاستحالة الرد مباشرة، الا نادراً، فلقد تعاملت مع الموضوعات المثارة من خلال افتتاحيات لاحقة. تعلمت كثيراً من الافكار والاراء الايجابية والسلبية، وساعدتني في البحث واستخلاص نبض الجمهور واحاسيسه، بما في ذلك من سخافات السبابين والكاذبين والجهلة والاعداء. ففي السفه والعدوان حقائق ضرورية للمتصدي. والا سيرى بعين واحدة، ويسمع لجهة واحدة، فيفقد التوازن والحقائق، جيدها وسيئها. اعيد بالمناسبة، نشر افتتاحية 14/2/2011، وهي باكورة التجربة، كما وردت بالعنوان اعلاه، من دون اضافة او حذف:
[«يدور نقاش واسع حول ما العمل امام ظاهرة تزايد التظاهرات.. هل نقف مع التظاهرات ام نقف مع الحكومة؟
نقف ضد اجراءات الحكومة عندما لا تكون راشدة او عندما يرتكب هذا المسؤول او ذاك اخطاء وخروقات تعرض مصالح الشعب للضرر والاخطار. ونقف ضد دعوات التظاهر التي تريد تشويش الاجواء وتحقيق الاجندات الانانية واللئيمة واللعب بالماء العكر، بما يعرض مصالح الشعب والبلاد للمخاطر والكوارث..
فحرية التظاهر حق كحرية الاعلام والتعبير وتأسيس الاحزاب وغيرها من حريات كفلها الدستور.. وان من واجب قوات الامن حماية المتظاهرين لا تسديد فوهات البنادق ضدهم، كما حدث مرات عديدة في البصرة والديوانية وغيرهما. ليهتف المتظاهرون بسقوط المسؤول او بنجاحه. وليهتف المتظاهرون بما يطالبون من امور مقبولة او غير مقبولة.. فالمسألة هنا ليس ان نختلف او نتفق حول الشعارات.. بل المسألة احترام الرأي ما دام التعبير يجري في اطار القانون وبطرق ديمقراطية وسلمية، ولا تعبث او تخرب بالمال العام، ولا تعطل المصالح.
ثم لينظر المسؤول في المطالب. فان كانت حقاً فعليه ان ينفذها. وان كانت خارج طاقته او لظروف قاهرة، فعليه ان يشرح بامانة ومسؤولية. فان صدق القول والفعل فسيصدقه العقلاء والمخلصون ويساندونه، او في الاقل يكون قد قام بواجبه. وسيعزل الشعب -قبل المسؤول- المفسدين واصحاب الاغراض عن المصلحين واصحاب الحقوق.. اما اذا خدع المسؤول الشعب فسيخدع نفسه، ولن تزداد الجموع الا اقتناعاً واصرارًا بمطالبها وحقوقها ورفضاً للمسؤول ووسائله.
فاذا كان هدف المتظاهرين مجرد النيل من الدولة والحكومة وتعطيل الحياة العامة وارباك المناخات السياسية وخلط الاوراق، فسيعزلهم الشعب ويقطع عنهم ماء الحياة، قبل ان يقوم المسؤول بذلك… اما اذا كان هدف المتظاهرين الدفاع عن الثوابت الدينية والوطنية وعن الحريات وحماية الديمقراطية.. والتخلص من نظام المحاصصة والطائفية والاثنية والتعصب.. ومراقبة المسؤولين ومحاسبتهم.. ومحاربة الارهاب والفساد وتحقيق الامن.. وتوفير الخدمات والاعمال فسيؤيد الشعب تلك المطالب، بل على الحكومة تأييدها. فلا معنى لوجود حكومة ولا اساس لشرعيتها ان لم تحقق مطالب وحقوق الشعب والمواطنين.
فالاهم في النهاية هو تبني المناهج الصحيحة التي تنفع الناس فترفع من مقام المسؤول ويرضى عنها الشعب وتمكث في الارض لتعطي الخير والحياة.. اما المناهج الباطلة فلن يسفر عنها سوى الزبد الذي يذهب جفاء فيذل المسؤول نفسه قبل ان تذله الاحداث.. ولن تنفع لا وسائل القمع.. ولا وسائل الاغراء الرخيصة.. ولا التنصل عن المسؤولية.. ولا اساليب المراوغة والخداع.»]

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة