كفاح محمود
ظن العراقيون بان مجرد سقوط نظام صدام حسين ستنفتح عليهم آفاق الحرية والديمقراطية والبديل المدني المتحضر الذي يحترم حقوق الإنسان والحياة والآخر المختلف، وطيلة سنوات مريرة منذ سقوط نظام الحزب الواحد والقائد الضرورة كانت الآمال تندفع تارة إلى الأمام وتارات إلى الخلف تحت مظلة صناديق الاقتراع التي احتلتها عشائر ومذاهب وأموال ديمقراطية السحت الحرام والأمية الوطنية.
فعلا سقط هيكل نظام صدام حسين وحزب البعث، وتبدلت الأسماء والعناوين لكن ما لم يتغير هو ثقافة النظام الشمولي ونهجه وسلوكياته وماكينة إعلامه ودعايته، فقد عادت مجاميع من الموبوئين بالكذب وسقم الكراهية والحقد والعنصرية إلى مواقع في مجلس النواب والسلطة التنفيذية وكثير من مفاصل الدولة وهي توجه سمومها إلى كل من يختلف معها في الرأي والتفكير وفي مقدمتهم الكرد والكردستانيون وما أنجزوه خلال اقل من عقد وعجزت عن انجازه كل من حكم بغداد حتى يومنا هذا.
منذ أيام استعرت نيران الحقد والحسد والكراهية في حملة شعواء تناولت فيها كردستان وأهلها وقيادتها، لتغطية فشلها المخزي وسقوطها المريع أمام بضع مئات من المسلحين، كشفوا عوراتهم وأكاذيبهم طيلة سنوات مريرة من تسطيح الرأي العام وتشويشه لتنفيذ اكبر عملية سرقة في تاريخ الشعوب والدول، حيث سرقوا مئات المليارات في مشاريع وهمية بانت وظهرت في انهيار قواتهم وهروبها حتى قبل وصول المسلحين إليها، قوات استشرى فيها الفساد والإفساد وهيمن عليها ضباط غير أكفاء لا يمتون للعسكرية وشرفها ومهنتها إلا بالرتب والامتيازات والفساد.
كردستان التي تحاول جوقة الإعلام الموجه والمليء بالكذب والافتراء والحقد والتزوير تحويلها إلى شماعة للفشل والهزيمة، يتسلقها العديد من المتملقين وانصاف السياسيين والمثقفين من خريجي مدرسة ( أبو العلوج ) وحفنة فاسدة متخلفة أعتمدهم للأسف الشديد رئيس مجلس الوزراء في بغداد ليكونوا ماكينة إعلامه وخير ما يمثل نهجه وما يخفيه في مخيلته وهو يستأثر بالسلطة، في بلاد تسببوا في تدميرها وإشاعة الإرهاب فيها، ووصولها إلى ما وصلت إليه بعد أن انفق عليها حسبما يدعون كذبا وبهتانا أكثر من ستمائة مليار دولار، تحول ما يقرب من عشرين منها إلى سكرابات خلال ساعات على أيدي بضعة مئات من المسلحين في الموصل وتكريت.
من يستمع إليهم ويشاهد بهلوانياتهم يتذكر ذلك الإعلام البائس طيلة عقود، منذ منتصف ستينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا، ذلك الإعلام القائم على الكذب والفبركة والتهييج والتزوير وتسطيح عقول الأهالي لتمرير جرائم حكامهم وفشلهم في إدارة الدولة، الإعلام الذي تسبب في انهيار نظام صدام حسين ويتسبب الآن فيما وصل إليه العراق من خراب وفساد ودمار.
لقد كان وما يزال خطاب كردستان وممارساتها ضد الإرهاب قولا وفعلا وهي أولى ضحاياه في البلاد، سواء على أيدي أنظمة الاستبداد أو منظمات الإرهاب القديمة والحديثة، كردستان لا تخلط الأوراق وتجعل من الإرهاب سلم تتسلق عليه لإبادة الآخر والمختلف وترفض أن تكون مكافحة الإرهاب على حساب مكون مذهبي أو ديني أو عرقي، فكما انه هناك إرهاب في الوسط السني تراه أيضا في الوسط الشيعي، فهو لا هوية له ولا دين ولا أخلاق، وما يحصل اليوم في بلادنا يمثل قمة فشل الإدارة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بفقدان العراق لدوره وموقعه وتأثيره وسمعته حينما تحول إلى خانة الدول الأكثر فشلا في العالم تحت إدارة همها الوحيد الاستحواذ على السلطة والتفرد بها ورفض الآخر وتهميشه.