سفير سابق يقول “ليس هناك ما يمكن ان يحمي العراق سوى الضربات الجوية”
“>جيمس جيفري*
تمثل الأحداث الجارية في العراق اليوم من اقتحام جماعات داعش التابعة لتنظيم القاعدة لمدينة الموصل وطرد القوات العراقية منها, ومن ثم توجهها نحو بغداد, تمثل كلها تحديات خطيرة للنظام الدولي كما حصل مع الاحتلال الروسي لشبه جزيرة القرم قبل شهرين مضت. ان للمرء ان يتخيل كيف يشعر المحاربون الاميركيون القدماء حيال حلفائهم العراقيين وهم يتركون مساحات امنها وحررها الأميركيون بدمائهم, يتركونها في ايدي بعض من اسوء اعدائنا. ان الولايات المتحدة بحاجة للتحرك باقصى سرعة ممكنة للرد, فيما تحتاج ادارة اوباما لاعادة ضبط سياستها الخارجية مع عالم لا يستجيب لدبلوماسية “اللا-فعل.”
كما ان التحدي المتمثل بداعش بالنسبة للحكومة العراقية يعد اكبر بكثير من عملية استعادة الفلوجة التي بدأت قبل 5 اشهر. فلداعش مقدرة استثنائية على المناورة الفعالة, مع اعتماد تكتيكات الاسلحة المجتمعة بما فيها القناصة والانتحاريين واسلحة المشاة الثقيلة واستقدام المقاتلين الموسميين ضمن الحرب السورية, وذلك بهدف التغلب على قوات الامن العراقية التي تعد اكبر بكثير عديدا وعدة بالمقابل. ان الطريق الموصل يمثل الحالة المؤسفة والمزرية التي تبدو عليها القوات العراقية من قيادة سيئة وتدريب ضعيف فضلا عن الدافع المهزوز. وتقع مسؤولية هذا الفشل على الحكومة العراقية. لقد اندفع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي, حتى قبل رحيل القوات الاميركية, اندفع نحو استبدال الجنرالات الكفوئين بـ”محاربي المكاتب” الذين لا قيمة لهم سوى الولاء لشخصه وحسب. كما ان الوحدات القتالية تم تطهيرها من السنة والاكراد, الامر الذي نتج عنه قوات يهيمن عليها الشيعة, قوات استعرضت ولائها بانتخاب المالكي ورفع صور الامام علي وولده الحسين اثناء انتخابات العام 2010.
و لا عجب ان المناطق السنية مثل الموصل والفلوجة كانت تنظر لتلك القوات كمحتلين وليس مخلصين.
لكن حكومة المالكي لم تتوقف عن تسييس الجيش ومضت على منهج قمع الاقلية العربية السنية بطرق اخرى, فضلا عن كونها استمرت بحربها غير الضرورية مع حكومة اقليم كردستان حول موضوع النفط والغاز. وعدا عن ذلك, فأن الاجراءات القضائية ضد نائب رئيس الجمهورية السني طارق الهاشمي عام 2011, وتلك الاتهامات الخطيرة التي وجهت الى وزير المالية العراقي السني رافع العيساوي قبل عام, ممتزجة مع القمع الوحشي ضد مخيمات المحتجين في المناطق السنية, انما اسهمت كلها في ابعاد وتنفير المجتمع العربي السني. ولنا ان نذكر ان ليس جميع السنة يميلون الى اجندة داعش المتطرفة بالنظر الى حقيقة ان اكثر من نصف مليون من سكان المدينة, وهم من السنة العرب عموما, عمدوا الى الفرار نحو كردستان جراء غزو داعش. الا ان نمط القمع كما بات ينظر له على انه منطلق من حكومة وجيش شيعيين انما سحقت الولاء الطبيعي للسنة العرب فضلا عن باقي المواطنيين العراقيين تجاه حكومتهم.
و في النهاية, فأن قرار حزب المالكي المدعوم بمعظم السياسيين العراقيين الاخرين القاضي بعدم الابقاء على اي قوات اميركية في العراق ما بعد العام 2011 تسبب بقطع الجهود الاميركية الرامية لمحاربة الارهاب وتوفير الدعم في هذا الاتجاه, فضلا عن عدم توفر الوجود الجوي الاميركي او التدريب الاميركي للقوات على الارض, عدا عن انحسار انتباه واشنطن, حيث كان فقدان كل تلك العوامل سببا حاسما في عدم وقف تقدم داعش.
لذلك, وفي الوقت الذي كان من المستحيل فيه استيعاب او تخيل الصعود الانفجاري لداعش من دون عوامل الفوضى المحيطة بالحرب الاهلية السورية, فأن اخطاء بغداد وواشنطن ساهمت حتما بالوصول الى كارثة اليوم. وها نحن نواجه سيناريو الكابوس اليوم. ان داعش تتحرك اليوم نحو بغداد بهدف تنفيذ استراتيجيتها الرامية لاقامة دولة دينية سنية, مع شن حرب شاملة ضد الشعب الشيعي في كل ارجاء المنطقة. ان من الصعب تخيل اجتياح شرق اوسطي يستولي على بغداد التي تتوفر على سكان اكبر بعدة مرات من الموصل. كما ان قوات اقليم كردستان والقوات الحكومية العراقية المتمركزة في مناطقها العرقية والدينية ستقاتل بشراسة اكبر مما هي الحال عليه في المناطق السنية, وكما شهدنا من قبل الاكراد الذين عمدوا الى احكام سيطرتهم على كركوك للتو. فضلا عن ذلك, فأن مجاميع داعش ليس بمقدورها الاستلاء على كامل البلاد, الا انه من الصعب تخيل ان يتمكن الجيش العراقي النظامي من استعادة المناطق السنية مرة اخرى, لاسيما مع غياب القيادة العسكرية وربما الوطنية كذلك, ومن دون تدريب شديد وتجهيز افضل عدا عن دعم جوي واسع النطاق.
لذلك, ففي الوقت الذي ليس بمقدور الحركة الاسلامية العربية ان تفتح وتخضع مناطق شيعية وكردية اكثر, فأن ما تستطيعه مجاميع داعش يتمثل في تقويض استقرار البلاد عبر محاصرة بغداد وقطع الخدمات الاساسية والعوائد والامداد النفطية ابتداءا من مصفى بيجي شمالا.
لذلك, فأن وقف هذه الهجمة الجهادية يجب ان يصبح, وان لم يحصل الى الان, ان يصبح الاولوية الكبرى لادارة اوباما في هذه المرحلة. ولقد كانت كلمات الرئيس نفسه تعبر عن هذه الحقيقة. ففي شهر ايلول من العام 2013, وقبل اجتماع الامم المتحدة السنوي, وضع اوباما 4 معايير للشرق الاوسط يمكن ان تؤثر على المصالح الاميركية, وانه سيكون مستعدا للجوء الى العمل العسكري بغية الدفاع ضدها. ان ثلاثة من تلك المعايير تبدو على صلة بالصراع الجاري في العراق اليوم ممثلة في: اولا, دعم الحلفاء والشركاء الذين يواجهون اعتداءا خارجيا, وهذا الكلام لا يشمل العراق وحسب وانما حليف الناتو التركي, فضلا عن الشراكة القريبة مع الاردن واسرائيل. وثانيا, يأتي التدفق الحر لموارد الطاقة نحو العالم, حيث لنا ان نذكر ان تقديرات منظمة الطاقة الدولية تشير الى مقدرة العراق لانتاج 6 ملايين برميل من النفط يوميا. وثالثا, ما يتمثل في محاربة الارهاب الذي تمثل فيه داعش اكبر فصائل القاعدة في العالم.
ان جهود الولايات المتحدة الاميركية على مر 11 عاما وعبر ادارتين بهدف خلق عراق موحد مبني على القيم الدستورية والسياسية الغربية انما بات يقف على حافة الهاوية. وليس غريبا ان تعيد واشنطن مساعيها للمرة الالف كي تقوم بالامر ذاتها فتدفع باتجاه تحقيق مصالحة بين مكونات العراق الرئيسية الثلاث, وتشجع رئيس الوزراء المالكي على التقرب من العشائر وتحقيق المصالحة مع السنة, فضلا عن تسريع عملية تقديم بعض المروحيات والمعدات العسكرية الاخرى للعراقيين.
لكننا نقف اليوم على ما يبدو انه ابعد من ذلك بالنظر الى ان سنينا طويلة مضت وموارد كبيرة خصصت دون ان يتحقق ذلك الهدف بطريقة مستدامة فعلا.
و عوضا عن ذلك, فأننا نواجه زلزالا عراقيا يماثل في شدته ذلك الذي عصف بالشرق الاوسط ابان الانتصار الاسرائيلي في حرب العام 1967 ونجاح الثورة الاسلامية في ايران بعد اكثر من عقد من ذلك.
في هذه اللحظة, فاننا نواجه ثلاث تطورات كبرى محتملة تتمثل في: اولا, يبدو واضحا ان داعش تسعى لحصار بغداد لكون ذلك يفتح الباب امامها لايقاع اكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف السكان. وثانيا, يبدو ان هنالك مسعى كرديا محتملا بحكم الامر الواقع لاستقلال الاقليم, لاسيما مع انحسار قدرة الحكومة المركزية على تهديد الاقليم الذي تمكن من تحقيق استقراره ورخاءه. اما ثالثا, فأن الايرانيين سيتحركون لتأمين الجنوب العراقي الشيعي, بما في ذلك اضرحة مدن كربلاء والنجف المقدسة ومعها حقول النفط, عدا عن تعزيز وشد ازر الجيش العراقي. وليس غريبا توقع رد تركي بالنظر الى احتجاز الكادر القنصلي التركي في الموصل على يد داعش, بحيث يتبع ذلك ردود افعال من الاردن ودول الخليج كذلك.
و في ضل اختمار الظروف الحالية جراء جوهر المكونات المتفجرة فيها, فأن متغير اللعبة الاميركي الوحيد المتبقي لن يكون سوى حملة جوية اميركية ضد مجاميع داعش بالقوة والديناميكية ذاتها التي وجهت ضد قوات نظام المعمر القذافي في ليبيا عام 2011. ان افراد مجاميع داعش يتحركون بالتشكيلات التقليدية اكثر مما يتحرك به التتمرد الحظري المعروف, الامر الذي يعني ان الركون الى سلاح الجو سيكون فعالا جدا في مواجهته. وبالنظر الى الموقف غير المحسوم عبر ارجاء البلاد, فأن الولايات المتحدة قد تضطر الى الجوء الى القواعد الجوية في اقليم كردستان, مع الكويت والاردن وربما تركيا. ولاشك ان هذا يمثل المنهج الدراماتيكي المتوقع للاحداث, ومن دون ضمانات بتحقيق النجاح, وفي افضل الحالات بغية كسب الوقت لاستعادة صفوف السنة مع العراق, وربما في بعض اجزاء سوريا.
لكن البديل سيكون اسوء بحق, حيث يتمثل ذلك في مشاهدة العالم اجمع لشريك اميركي مجهز بمعدات واسلحة اميركية متقدمة وهو ينهار امام انتصار داعشي وايراني. ولنا ان نذكر ان نظام الامن الدولي الذي رعيناه نحن, حسب كلمات الرئيس اوباما التي قالها في الامم المتحدة شهر ايلول من العام الماضي, والذي دام لاكثر من 7 عقود من الزمن, انما لن يكون ممكنا له الاستمرار قبالة مشاهد متعددة من هذا النوع. ولذلك, فان بيتنا الابيض الخائف ليس بمقدوره الجلوس مكتوف اليدين والركون الى سياسة اللا-فعل وحسب.
* مجلة فورين بوليسي الاميركية
ترجمة الهادر المعموري