صادق باخان
في هذه الايام تمر الذكرى 25 لرحيل الكاتب المسرحي صموئيل بيكت وله خصصت حديثي اليوم .
افترض ان حياته انقلبت رأساً على عقب حين طعنه صعلوك باريسي بسكين في صدره ، وحين سألوا بيكت – لماذا طعنك ؟ اجابهم بكل تهذيبه – لا ادري يا سيدي .
قال عنه سارتر – ان بيكت هو الشخصية المجزأة ، وجه ملتصق بالحائط ووجه اخر ملتصق بالهواء وهو يتصرف كما لو انه يملك وجوهاً اضافية يعمل للتخلص منها ، في النهاية يستقر على وجه واحد ،يضعه على المقعد وينتظر .
كذا هو قدر اصحاب النفوس الرهيفة والالسنة العفيفة فالاحزان تهبط عليهم من دون استئذان ،
انها تقتحم نفوسهم كأنهم مطاردون بالاشباح ، تكفيهم دمعة تنزل من عيني طفل لتثير بركان الاحزان في اعماقهم .
نيتشه بكل دعواه لفلسفة القوة ورفض الرحمة، كان ذات يوم يمشي في الشارع، فاذا به يرى حوذياً ينهال بالضرب على حصانه، فما كان منه الا ان جرى نحو الحصان وجعل يحتضن عنقه ويبكي .
هكذا وجدت نفسي امام ذكرى وفاة صموئيل بيكت وقد ترجمت حوارات مطولة معه ونشرت في مجلة الثقافة الاجنبية في عددها الاخير ،
اجل لقد داهمني حزن عميق لوفاة صاحب بانتظار غودو هذا الكاتب الذي اوصد ابواب العالم دونه وارتدى معطف العزلة واتخذ من الصمت مهنة له وعانق فلسفة شوبنهاور او ربما فلسفة مارتن هايدغر – اذا تحطمت قلوبكم فالافضــل لكم الا تحاولــوا ترميمها .قال عنه الروائي الالماني هنريش بل – الباب مقفل دائماً ، ينصحنا بيكت بالا نفتحه لاننا سنعثر على باب اخر ، وهذه هي لعبة الابواب.
وجه بيكت ليس الباب الاخير لكنني اتجرأ واقول بتفاؤل بان النيران التي في رأسه يمكن ان تعطي الضــوء ايضا.
ذات يوم سالني الصديق الراحل نجيب المانع – الا ترى ان صموئيل بيكت انسان في غاية العذوبة وانه محق في صمته وعزلته عن عالم يلتهم الاطهار والقديسين والمتفوقين ؟ نظرت اليه ولم اقل كلمة .
مثل هذا الشعور بالخيبة والخسارة امتحنته انا امام موت الصديق عبدالوهاب البياتي حين جاءني صديق عتيق وهمس لي – مات ابو علي !!.
الواقع اني اشعر بوهن عظيم ازاء موت الشعراء والكتاب.
وذات يوم قلت لصديق – لنتفق على هذه الصيغة ، فاذا مت قبلي فاستولى انا كتابة مرثية حياتك اما اذا مت انا قبلك فاكتبها انت! ،
مقايضة عادلة فوق القبر .
ومع ذكرى رحيل صموئيل بيكت تنهض بقايا الاحزان من القلب في حساء بارد وتعزف الاوركسترا سوناتا اللحن الحزين
لحن حزين
التعليقات مغلقة