علي عبد العال*
يتسع المشهد السياسي والاجتماعي العراقي للكثير من التأويل والتفكير المركّب والتفكير السطحي المباشر الذي يطفو على وجه الماء كما الفقاعات. تتظاهر الأحزاب الدينية والأحزاب العلمانية بالمودة فيما بينها، بيد أن الفارق الذي يفصلهما عن بعضهما هو فارق كبير من دون أدنى شك. بل هو عبارة هوّة عميقة ليس بالإمكان ردمها بأي شكل من الأشكال. إنها كالهّوة بين المعتقدات الثابتة التي يمثلها الدين من مقدسات ورموز وشروط وتعاليم لا تحبذ الخروج عنها، وبين إرادة التحرر المتجذرة بعقل وروح الإنسان بغريزة وضعها الخالق فيه. هنا نستعير مصطلح المفكر والشاعر أدونيس «الثابت والمتحول» إذ أن الدين الحق ثابت، بينما الفكر البشري الإبداعي متحول على الدوام.
في التاريخ السياسي العراقي الحديث تعرضنا في كتابات سابقة عن نشوء الأحزاب الدينية بالعراق من خلال قراءة كتاب إسحاق نقاش «تاريخ الشيعة بالعراق» وأيضا كتاب الباحث العراقي رشيد الخيّون «لاهوت السياسة بالعراق/ الأحزاب الدينية المعاصرة» وغيرها من المصادر التاريخية المعنية بالشأن العراقي ومنها بالدرجة الأهم مؤلف «العراق» لحنا بطاطو، فضلا عن مؤلفات الدكتور علي الوردي الغنية عن التعريف. تشير هذه المصادر مجتمعة إن تاريخ الأحزاب العراقية الدينية هو تاريخ حديث بالمقارنة بتاريخ نشوء وتكوين الأحزاب العلمانية العراقية. لا نحاول إدخال هذه الواقعة في باب المنافسة السياسية بقدر ما نسهم بالتوضيح للقارئ المهتم بالظروف السياسية المحيطة به في عراق اليوم. كانت الأحزاب العلمانية التي تأسست بالعراق، وهي أحزاب يسارية على وجه التحديد التي مثلها الحزب الشيوعي العراقي منذ عام 1934، ومن بعدها ظهرت الأحزاب القومية التي لبست ثوب العلمانية كحزب البعث العربي الإشتراكي الذي لم تكن له قيمة حقيقية سوى تدميره للحركة القومية العربية والحركة الشيوعية اليسارية ومن بعد ذلك تدمير الأحزاب الدينية عبر تصفية رموزها الكبيرة وكذلك تدمير الحركة القومية الكردية بأوامر المخابرات المركزية الأميركية. ناضل اليسار العراقي العلماني جنبا إلى جنب مع القوى الدينية التي تبلورت حديثا بحزب الدعوة، القائد الحالي للعملية السياسية بالعراق، والمجلس الإسلامي الأعلى بزعامة الشهيد محمد باقر الحكيم، وبالطبع مع جميع القوى والأحزاب الكردية الموجودة على الساحة. لكن الأمور لم تجر كما كان يتمنى رفاق الدرب الواحد بين هذه القوى المرتصفة ضد عدو واحد ممثلا بالدكتاتورية الصدامية. فبعد أن تسنى للأحزاب الدينية تسنم زمام الأمور أبرزت أنيابها ضد الأحزاب العلمانية واليسارية وكأنها أحزاب قادمة من المريخ وليس من صلب المجتمع العراقي الأصيل، وهذا بالضبط ما قد فعله حزب البعث العربي الإشتراكي المزّيف قبل قليل من الزمن.. ما الفارق إذاً؟