جيمس ك. جالبريث*
أوستن ــ في مقالة نُشرت لها مؤخرا عن سامانثا باور، التي عينها الرئيس جو بايدن مديرة جديدة للوكالة الأميركية للتنمية الدولية، كتبت ميشيل جولدبيرج الصحفية في نيويورك تايمز – وقد أصابت في ذلك – أن “أول الاختبارات الكبرى لباور يكمن فيما ستفعله أميركا للمساعدة في تلقيح بقية العالم ضد مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19)”. وقد نُقل عن باور نفسها قولها “إن الأمر يتعلق بجدول أعمال ملموس ومحدد للغاية ويركز على النتائج”.
توالت النتائج بعدها حسبما بدا. خلال قمة مجموعة السبع، ذكرت جولدبيرج في تقرير واف لها ما أعلنه بايدن بشأن مساهمة الولايات المتحدة بخمسمائة مليون جرعة من اللقاحات لاستخدامها في “الدول ذات الدخول المنخفضة والمتوسطة”. ووفقا لما ذكرته جولدبيرج، فقد “حفز هذا الإعلان الدول الأخرى لرفع مساهماتها” بما يضمن “مليار جرعة بحلول عام 2022”.
غير أن هذا لم يحدث. فبحسب منظمة الصحة العالمية، بلغ حجم التعهدات الفعلية الجديدة 870 مليون جرعة إضافية، وليس مليارا، “بهدف تسليم نصفها على الأقل بنهاية عام 2021”. بمعنى آخر، أن “المستهدف” تسليم 435 مليون جرعة إضافية من اللقاح “على الأقل” إلى مرفق كوفاكس (الآلية الدولية التي أنشئت لضمان إتاحة اللقاحات في الدول الأفقر) “بحلول عام 2022”. وحتى لو وصلت المليار جرعة بأكملها خلال عام 2022، فقد وصفت أنياس كالامار، الأمين العام لمنظمة العفو الدولية، هذا العدد بأنه “نقطة في المحيط” تشكلت من أنصاف إجراءات ضعيفة ومبادرات غير كافية”. وكما لخص جافين يامي، الأستاذ بجامعة ديوك، النتيجة لمجموعة عمل بدورية لانسيت الطبية، فقد “تصرفت الدول الغنية بصورة تفوق أسوأ الكوابيس سوءا”.
كما أن هناك مشكلة أخرى وهي: أن تعهدات دول مجموعة السبع ليست إلا وعودا، ومن يتتبع سجل المجموعة في الوفاء بعهودها سيجده غير جيد على الإطلاق. في هذا السياق نلاحظ مثلا أن لغة بيان مجموعة السبع تقول: “نستهدف تسليم”، فنجد أن المفردات ليست دقيقة أو قاطعة تماما، حتى لو صدّق المرء أن اختيارها كان بحسن نية.
اليوم، لا تكاد نسبة من تلقوا اللقاح بالفعل في إفريقيا والهند تتجاوز 3% من عدد سكانهما مجتمعتين، والبالغ نحو 2.5 مليار شخص. لماذا ذلك؟ المعروف عن الولايات المتحدة أنها وحدها لديها القدرة على إنتاج 4.7 مليار جرعة بنهاية عام 2021 – وهو ما يزيد بأربعة مليارات عن احتياجات أميركا. ومرة أخرى، نجد تقديرات منظمة العفو الدولية تشير إلى أن مجموعة السبع سيكون لديها فائض عن المطلوب بنهاية [2021] يصل لثلاثة مليارات جرعة”.
أين ستذهب تلك الجرعات؟ من الواضح أنها ذاهبة إلى الزبائن الأثرياء، إذ تشمل تلك الجرعات الفائضة 1.8 مليار جرعة مخصصة للاتحاد الأوروبي “كجرعات منشطة”، حسبما أفادت فارشا جانديكوتا-نيلوتلا العضوة بمنظمة التقدمية الدولية. أما خارج فقاعة الدول الغنية، فَـيُـسمَح للفيروس بأن ينتشر ويتحور ويُمرض ويقتل.
هذه ليست قضية إنسانية فحسب، فالفيروسات إن لم تُستأصل ستتطور. وبالفعل ظهرت سلالات متعددة من فيروس كورونا. على حد علمنا، لا يستطيع أي من تلك السلالات التغلب على اللقاحات الموجودة. لكن ليس بوسع أحد الجزم بأن مثل هذه السلالة لن تظهر. وكلما أضعنا المزيد من الوقت، زاد حجم المخاطرة، التي لن تقتصر على فقراء العالم.
يتمثل أحد الحلول الواضحة في استخدام المخزون المكتنز لحقن الجميع حول العالم. ثمة حل ثان يكمن في إسقاط حماية براءات الملكية وقيود الإمداد المفروضة على اللقاحات الغربية، حتى يمكن إنتاجها بوتيرة أسرع في الدول الأخرى. فلو تمكنت الهند وحدها – وهي أكبر منتج للقاحات في العالم – من التغلب على مصاعب الإنتاج الحالية، لاستطاعت استئناف الصادرات والبدء في توريد الجرعات إلى بقية آسيا وكذلك إفريقيا، مع الوفاء بمتطلباتها الخاصة بنهاية هذا العام. كما يمكن إنتاج جرعات كافية للقضاء على الجائحة، لأغراض عملية، بنهاية عام 2022.
في مطلع مايو/أيار، أعلنت إدارة بايدن دعمها لمقترح قدمته الهند وجنوب إفريقيا بإسقاط تطبيق اتفاقية جوانب الحقوق الملكية المتصلة بالتجارة (تريبس) على مستلزمات مكافحة كوفيد-19، بما في ذلك اللقاحات. لكن إلى أي حد يبلغ هذا الدعم؟ حتى الآن مجرد دعم للمفاوضات. مع مَن؟ وبشأن ماذا؟
كانت الحكومة الأميركية، وليست شركات الأدوية الكبرى، هي الضامنة لتغطية تكاليف البحوث الأساسية التي استُخدمت في ابتكار تلك اللقاحات. وما مُنحت الشركات براءات الملكية إلا لتكون “حافزا” لها لإنتاج اللقاحات. أما الزعم بأنه لولا ذلك ما أنتجت تلك الشركات اللقاحات فهو ضرب من العبث، لأن الحكومة الأميركية تملك سلطة الإجبار بموجب قانون الإنتاج الدفاعي، الذي استخدمته بالفعل لتكثيف إنتاج اللقاحات – بطريقة شملت أيضا تعطيل إنتاج الهند لفترة وجيزة.
في الوقت ذاته، هناك الصين، وكذلك روسيا على نطاق أصغر، إذ تقوم الصين حاليا بتلقيح أكثر من عشرة ملايين شخص يوميا – وتلك وتيرة متسارعة ستؤدي إلى تغطية سكانها بشكل كامل هذا العام. في عام 2022، تستطيع الصين إنتاج حتى خمسة مليارات جرعة للعالم – وهو ما يكفي الهند وإفريقيا مجتمعتين. كما أن شركات الإنتاج الصينية عازمة على بناء مواقع إنتاج في شتى أنحاء العالم، وقد بدأت مؤخرا بمصر. أما روسيا فلديها خطط لإنتاج ما يزيد عن 850 مليون جرعة من لقاح (سبوتنيك ڤي) في الهند وحدها هذا العام، وهو ما يوازي تقريبا مجموع ما تعهدت به مجموعة السبع – فضلا عن أنه سيُنفذ في وقت أقرب.
ليس كل ما نقرأه عن تلك الأمور يمكن التعويل عليه بالضرورة، وليس من الضروري أن يكلل كل تصور أو تخطيط بالنجاح. فقد يكون صحيحا ما قيل عن كون اللقاح الصيني أقل فعالية من تلك اللقاحات التي أنتجتها فايزر-بيونتك وموديرنا وأسترازينيكا وجونسون آند جونسون وسبوتنيك ڤي.
لكن حتى الآن، يبدو الاتجاه الذي تسير فيه مسألة اللقاح واضحا، حيث نجد الولايات المتحدة وأوروبا تعرضان الفتات، وتحميان أصحاب المليارات لديهما، وجماعات الضغط في مجال صناعة الأدوية، والتبرعات للحملات التي يقوم بها ساستهم. في الوقت ذاته، نرى أن الصين وروسيا لديهما أفكار أخرى – وتمتلكان القدرة على تنفيذها. لذا سيكون لدى العالم في وقت ليس ببعيد، وتحديدا عند القضاء على هذه الجائحة في النهاية، دليل جديد يوضح مَن يمكن الاعتماد عليه ومَن لا يمكن الثقة به.
كنت لأزعم إن كل هذا غير مسبوق، لولا أنه ليس كذلك. ففي شتاء أوروبا 1947-1948، الذي خيم عليه البرد والجوع الشديدان، حدث أن التمس جان ماساريك، وزير خارجية تشيكوسلوفاكيا حينها، من الولايات المتحدة إرسال شحنات من الغذاء، لكن الولايات المتحدة ترددت وفرضت شروطا. فما كان من كليمنت جوتوالد، رئيس الحزب الشيوعي في تشيكوسلوفاكيا وقتها، إلا أن ناشد جوزيف ستالين، فأرسل الأخير قطارات تحمل 300 ألف طن من القمح، لتقع تشيكوسلوفاكيا تحت سيطرة شيوعية كاملة في فبراير/شباط عام 1948.
صدقت سامانثا. الأمر كله يتعلق بالنتائج الملموسة.
ترجمة: أيمن أحمد السِّمِلّاوي Translated by: Ayman A. Al-Semellawi
جيمس ك. جالبريث يشغل منصب أستاذ كرسي لويد بِنتسن جونيور في قسم الإدارة الحكومية/علاقات الأعمال في كلية ليندون بي جونسون للشؤون العامة التابعة لجامعة تكساس في أوستن.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.