قصة فشلٍ مُعلَن.. الناشط الإيراني علي افشاري:
مايكل يونغ
علي أفشاري محلّل سياسي إيراني وناشط مؤيّد للديمقراطية، ورئيس سابق لمصلحة الطلاب، وعضو في اللجنة المركزية لمكتب ترسيخ الوحدة، والتي كانت التنظيم الطالبي الأساسي والأكبر في الجامعات الإيرانية خلال الحقبة الإصلاحية. هو حائز على شهادة دكتوراه من جامعة جورج واشنطن في هندسة الأنظمة، ويعمل عضوًا مساعدًا في هيئة التدريس في الجامعة، ويكتب بصورة منتظمة عن الأحداث السياسية الراهنة في إيران في وسائل إعلام ناطقة باللغتَين الفارسية والإنكليزية. أجرت «ديوان» مقابلة معه في منتصف حزيران/يونيو لسؤاله عن المفاوضات الجارية من أجل إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران، وتأثيرات ذلك على الشرق الأوسط الأوسع.
مايكل يونغ: ما المسار الذي تتوقّع أن تسلكه المحادثات الجارية راهنًا في فيينا من أجل استئناف العمل بالاتفاق النووي؟ وماذا ستكون النتيجة، وفقًا لما يتبادر إلى مسامعك؟
علي أفشاري: يبدو أن المفاوضات تسير قدمًا، ويسود تفاؤل حذر بأنها ستقود إلى إعادة إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، أو ما يُعرَف بالاتفاق النووي الإيراني. ولكن ما من حلّ بعد للخلافات الأساسية، ما سيلقي بظلاله على مستقبل المحادثات التي بلغت مرحلة حسّاسة جدًّا. تعتبر إدارة بايدن أن إعادة العمل بالاتفاق على نحوٍ كامل هي الوسيلة الأكثر فعالية للحؤول دون حيازة إيران أسلحة نووية، وتأمل باستخدام الاتفاق أساسًا لمعالجة مسائل أخرى، أي تهديد إيران للاستقرار الإقليمي، ودعمها للإرهاب، وبرنامجها الصاروخي، وانتهاكاتها لحقوق الإنسان. ولكن في ضوء السلوك الإيراني السابق، يبدو أن الإدارة الأميركية متفائلة أكثر من اللازم في هذا الشأن. وغالب الظن أنها ستواجه العوائق نفسها التي اصطدمت بها إدارة أوباما حين سعت إلى معالجة هذه المسائل كلٌّ على حدة وعلى مراحل عدّة، إنما لم تُوفَّق في مسعاها.
يونغ: إذًا تقول عمليًا إن الطرفَين لن يتطرقا في نهاية المطاف إلى برنامج إيران الصاروخي وتأثيرها الإقليمي؟
أفشاري: أشكّك في أن تقود النزعة التي نلمسها راهنًا في المحادثات إلى أي تغيير في البرنامج الصاروخي الإيراني أو في السياسة المضرة التي تنتهجها إيران في المنطقة. من المفهوم أن الإدارة الأميركية الحالية تريد وقف حملة «الضغوط القصوى» على طهران المتوارَثة من إدارة ترامب، والتي فشلت في دفع إيران للجلوس إلى طاولة المفاوضات لمعالجة برنامجها الصاروخي وممارساتها في المنطقة. ولكن رفع العقوبات التي أعادت الإدارة السابقة فرضها من دون ضمان حدوث تغييرات ملموسة في هذه المسائل قد يؤدّي إلى إخفاقات جديدة. فالعقوبات الأحادية الشديدة التي فرضتها واشنطن هي التي دفعت طهران إلى الموافقة على الشروع في مفاوضات غير مباشرة مع الحكومة الأميركية من أجل إعادة إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، على الرغم من رفضها التفاوض في البداية. لذلك، إذا تخلّت الولايات المتحدة عن ورقة الضغط هذه، فسوف يتيح ذلك لإيران حرية أكبر لتنفيذ سياستها التوسّعية في الشرق الأوسط وزيادة التأثير الذي تمارسه شبكة الوكلاء الإقليميين التابعين لها. وهذا يتيح بدوره للمؤسسة الحاكمة الإيرانية أن ترفض في المستقبل إبرام أي اتفاقات أخرى غير الاتفاق النووي.
يونغ: ماذا تتوقع أن تكون نتيجة الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وما تأثير ذلك على إعادة إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة؟
أفشاري: يجب النظر جدّيًا في التطورات التي تشهدها دوائر السلطة في الجمهورية الإسلامية، ولا سيما ما جرى في مرحلة اختيار المرشحين المؤهّلين لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة. يبدو أن آية الله علي خامنئي، وهو صاحب القرار الأول في إيران، قرّر منح الإذن لإدارة الرئيس حسن روحاني من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة، ولو ضمن خطوط حمراء محددة. بعد إنجاز ذلك، سوف توجّه إدارة إيرانية أكثر تشدّدًا – وهي النتيجة المتوقَّعة للانتخابات نظرًا إلى استبعاد جميع المنافسين الجدّيين للمرشح الرئاسي ابراهيم رئيسي – انتقادات إلى الاتفاق وترفض الانخراط على نحوٍ أكبر مع الغرب. وسوف يتكرّر ما جرى بعد إقرار خطة العمل الشاملة المشتركة في العام 2015. فالاتفاق لم يُحدث تغييرًا أساسيًا في سلوك إيران تجاه الولايات المتحدة أو إسرائيل، أو في سلوكياتها الإقليمية. لذلك يُفضَّل أن تأخذ إدارة بايدن الوقت الكافي وألا تستعجل التوصّل إلى اتفاق لن يكون على الأرجح اتفاقًا جيدًا.
يونغ: ما هي نصيحتك، على وجه التحديد؟
أفشاري: تُعتبر العودة إلى تطبيق خطة العمل الشاملة المشتركة من دون معالجة المسائل الأخرى التي أشرتُ إليها آنفًا، أو التوصل إلى اتفاق عام لإبرام اتفاقات مكمِّلة في المستقبل المنظور، محفوفة بالمخاطر. وسوف تؤدّي، في أفضل الأحوال، إلى اتفاق هش. يجب أن تفرض إدارة بايدن شروطًا للقبول بمعاودة العمل بالخطة، وأن يترافق ذلك مع التحلّي بالصبر الاستراتيجي. وينبغي التوصل إلى اتفاق أقوى وأطول مدى من أجل تخفيف المخاطر التي تُهدّد استقرار المنطقة. بالطبع، يمكن اعتبار المسائل غير النووية، في أي اتفاق جديد، مكمِّلة لخطة العمل الشاملة المشتركة. ونظرًا إلى صعوبة تحقيق هذا الهدف في المدى القصير، قد يكون من الأفضل النظر في إبرام اتفاق مؤقت لإنهاء المأزق الحالي المرتبط بتوسيع نطاق المفاوضات، وفي إطار هذا الاتفاق، يمكن أن ترفع الولايات المتحدة بعض العقوبات فيما توقف إيران أنشطتها النووية التي تشكّل انتهاكًا لخطة العمل الشاملة المشتركة. ولكن رفع جميع العقوبات في آنٍ واحد يتسبب بزيادة الالتباس في ما يتعلق بالسلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وخارجها.
في الوقت الراهن، ليست إيران في موقع قوي يتيح لها أن تستمر في المعاندة، وذلك بسبب تراجع نفوذها في العراق ولبنان، فضلًا عن الوضع الاقتصادي الكارثي في الداخل. يتعرّض المسؤولون الإيرانيون لضغوط شديدة من أجل تقديم التنازلات ومعالجة التحديات الخارجية للتخفيف من وطأة المخاطر التي تهدّد بقاءهم. واقع الحال أن الشرق الأوسط شهد تغييرًا جوهريًا بعد العام 2015. وقد يكون استئناف العمل بخطة العمل الشاملة المشتركة وتعزيزها، بالترافق مع إبرام اتفاقات مكمِّلة، أكثر قابلية للاستمرار إذا تم عن طريق إجراء مفاوضات مع المسؤولين الإيرانيين الذين يدورون في فلك المرشد الأعلى علي خامنئي.
يونغ: ما تصوّرك لإيران بعد خمس سنوات إذا أُعيد إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة؟
أفشاري: يصعب توقّع ذلك بدقّة، لكن استنادًا إلى ما يجري اليوم، الاحتمال ضئيل بأن تُغيّر إيران استراتيجيتها. فهي تسعى إلى إنهاء مفاوضات فيينا قبل نهاية عهد روحاني، والسماح لرئيسي، المرشح الأوفر حظًا للرئاسة، بالإفادة من تخفيف العقوبات الذي سينبثق عن هذه المفاوضات. ولكن في ما يتعلق بالتحديات الداخلية المتعاظمة، مثل فقدان النظام للشرعية والمسائل البيئية والمشقّات الاقتصادية وتيارات الثقافة المضادّة، تُطرح علامات استفهام حول قدرة النظام على البقاء.
لقد واجهت إيران تحدّيات كثيرة تسببت بزعزعة استقرار المنظومة، ولكنها لم تؤدِّ إلى انهيار النظام السياسي. وتُعتبر مكانة إيران في المنطقة رهن الوقائع الميدانية في العراق ولبنان. إذا لم تتمكن الانتفاضات الحالية في هذين البلدَين من الدفع باتجاه تغيير سياساتهما، سوف تستمر طهران في توسيع نفوذها من خلال أذرعها في الشرق الأوسط. يُشار إلى أن إيران تقترب من بلوغ ذروة تأثيرها الإقليمي، ما سيؤدي إلى تداعيات على الجوانب الداخلية والخارجية للسياسة الحكومية.