الصباح الجديد ـ متابعة:
حين انطلق الحراك الشعبي في الجزائر قبل عامين، حرص المتظاهرون على وضوح الشعارات المنادية بـ “إبعاد” المؤسسة العسكرية عن الشأن السياسي، بالقول “دولة مدنية وليست عسكرية”، والتأكيد على أنه حراك شعبي لا يمثل طيفا معينا.
ولتأكيد احترام الحراكيين لمؤسسة الجيش، باعتبارها مؤسسة دستورية “حامية للوطن”، كانوا يرددون شعار: “الجيش والشعب خاوة خاوة”، أي الجيش والشعب إخوة، في إشارة إلى أن الانتفاضة الشعبية، جاءت “فقط” على خلفية تدخل القادة العسكريين في الساحة السياسية، ولا سيما دعمهم لترشيح الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، لولاية خامسة، رغم أنه كان لا يقوى لا على الحديث ولا على الحركة.
وبعد استئناف المسيرات الأسبوعية مطلع السنة الجارية بعد “هدنة فرضها وباء فيروس كورونا” دخلت على الحراك الشعبي شعارات جديدة “أكثر تطرفا” وفق تعبير أحد المتابعين، حين يرى نشطاء من الحراك أنها “مغرضة” وتهدف غلى السيطرة على “صوت الشارع” الجزائري.
وأصبح البعض يردد شعارات تصف جهاز المخابرات بـ”الإرهاب” ، وهو ما يوحي بأن “بعض التيارات تريد ركوب موجة الحراك لتصفية حسابات مع السلطة” وفق ما قاله أستاذ العلوم السياسية الجزائري، يونسي خير الدين.
الناطق الرسمي باسم الحكومة، عمار بلحيمر، علق على تلك الشعارات في حديث صحفي، السبت الماضي، بالقول إن “تحول الشعارات من “جيش- شعب خاوة- خاوة” إلى “مدنية ما شي عسكرية” دليل على خطورة ما يحاك ضد الجزائر من مؤامرات.
ويقول يونسي خير الدين في حديث صحفي إن بعض الأحزاب السياسية حاولت “بالفعل ركوب موجة الحراك منذ بدايته، لكن الشباب المتظاهر تفطن لتلك المحاولات وأفشلها”.
وأضاف أن “هناك بعض التيارات التي لا تزال تحاول وهي من يقف وراء هذه الشعارات المتطرفة”.
الباحث الجزائري في علم الاجتماع، مبارك آيت مالك، أشار إلى ظهور “شعارات تعود لمرحلة التسعينيات خلال الحراك الذي انطلق في 2019”.
وقال آيت مالك في حديث صحفي إنه “من غير الطبيعي أن يردد شباب لا يتعدى سنه 20 عاما شعارات توحي بما حدث في الجزائر خلال مرحلة الإرهاب”.
وخلال الانتخابات التشريعية لعام 1991 فاز حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ بأغلبية المقاعد قبل أن يستقيل الرئيس السابق، الشاذلي بن جديد، من الرئاسة وهو ما أوقف المسار الانتخابي ككل وأشعل فتيل حرب أهلية دامت أكثر من 10 أعوام.
يُذكر أن أغلب القادة السياسيين الذين حاولوا المشاركة في التظاهرات الأسبوعية وسط الشعب، طردوا من المسيرات بشكل “أوتوماتيكي”، وفق آيت مالك الذي يرى في ذلك “وعيا يؤكد أن الحراك لا يزال في أيدي الشباب ولم يتمكن أي فصيل سياسي من ركوبه”.
أما عن تخوف السلطة من أن يخترق بعض المتطرفين المسيرات الشعبية فيراه أستاذ العلوم السياسية يونسي خير الدين “أمرا طبيعيا” بحكم الوضع “الجيوسياسي الذي تعيشه الجزائر والمنطقة عموما”.
يشار إلى أن القضاء الجزائري أعلن، الثلاثاء الماضي، توقيف خمسة أشخاص بتهمة التحضير لتنفيذ هجمات “إرهابية” في كل من ولايات تيزي وزو وبجاية بمنطقة القبائل أثناء التظاهرات الأسبوعية.
وقالت النيابة العامة في عزازقة (شمال شرق) في بيان أوردته وكالة الأنباء الرسمية إنّ المتّهمين الخمسة “خطّطوا للقيام بعمليات إرهابية في قلب الحراك بمدينتي تيزي وزو وبجاية”.
وتلك ليست المرة الأولى التي تعلن فيها السلطات عن خطط لهجمات تستهدف احتجاجات الحراك.
وفي نهاية يناير 2020، أعلنت وزارة الدفاع اعتقال انتحاري قرب الجزائر العاصمة كان يريد تفجير نفسه بحزام ناسف خلال تجمّع حاشد في وسط العاصمة لهذه الحركة المؤيّدة للديمقراطية.
وفي مطلع شهر مارس، كذلك، أعلن الجيش أنه أحبط تفجيرا في الجزائر العاصمة بعد اعتقاله ثلاثة من أعضاء “جماعة إرهابية” في تيبازة غربي العاصمة.
بينما تدعو السلطات في الجزائر المواطنين للانخراط في “جهود إعادة بناء مؤسسات دستورية جديدة عن طريق الانتخاب”، يدفع جزائريون رافضون لعملية الانتقال السياسي، وفق رؤية السلطة، لتصعيد المظاهرات الأسبوعية وتشجيع المقاطعة للمواعيد الانتخابية المقبلة.
وتستخدم السلطات الجزائرية مصطلح “الإرهابيين” للإشارة إلى المسلحين الإسلاميين الذين لم يتخلّوا عن السلاح عند نهاية الحرب الأهلية (1992-2002).
وعلى الرغم من “ميثاق السلم والمصالحة الوطنية” الذي أقر في 2005 لطيّ صفحة “العشرية السوداء” التي أوقعت 200 ألف قتيل، لا تزال هناك جماعات مسلحة نشطة، لا سيما في شرق البلاد، حيث تهاجم عادة قوات الأمن.