متابعة ـ الصباح الجديد :
باتت الغارات الجوية الروسية وقذائف المدفعية من جانب قوات نظام بشار الأسد مشهدا شبه يومي للقرى والبلدات في الريف الجنوبي لإدلب، وخاصةً الواقعة إلى الجنوب من الطريق الدولي حلب- اللاذقية المعروف بـ “m4”.
وتعتبر هذه المنطقة أبرز النقاط الشائكة بين الروس والأتراك، حيث لم يتمكن الطرفان من إيجاد حل وسط بشأنها حتى الآن.
ومع كل تصعيد بالقصف سواء من جانب الروس أو قوات الأسد، أصبحت أنظار المدنيين في إدلب تتجه بشكل آني وغير مباشر، إلى تفاصيل العملية العسكرية التي ستكون في المرحلة المقبلة، وهو مشهدٌ كانت الأشهر والسنوات الماضية قد أثبتته، فالروس وقبل أي هجومٍ بري يتجهون إلى التصعيد بالقصف من جهة، وتكثيف عمليات التسلل من جهة أخرى، وهي سياسة كانت قد أثبتت حضورها، منذ مطلع الشهر الماضي ولا تزال مستمرة حتى الآن.
وإلى جانب التكهنات المرتبطة بقرب عملية عسكرية على إدلب، يقود الواقع الميداني على الأرض إلى وجود نقاط خلافية بين أنقرة وموسكو، حالت من دون إكمال اتفاق “سوتشي” الأخير، الموقع في آذار 2018، وخاصةً البند المتعلق بفتح طريق “m4”، وإبعاد الفصائل المتهمة بـ “الإرهاب” من جانبيه، على رأسها “هيئة تحرير الشام”.
وبينما تتهم موسكو أنقرة بعدم تنفيذ التزاماتها الخاصة باتفاق سوتشي، تتحرك الأخيرة في منحى آخر، لتُقدم ومنذ أسابيع على سحب نقاط المراقبة الواقعة في مناطق سيطرة نظام الأسد، والتي كانت قد نشرتها في عام 2017 بموجب تفاهمات “أستانة”.
انسحابٌ تركي أم إعادة تموضع؟ هو سؤال لم تتضح الإجابة عنه حتى الآن، ليزيد على ذلك غياب أي موقف رسمي من أنقرة يوضح الأسباب التي دفعتها لهذه الخطوة، وعما سيكون عليه وجودها العسكري في الأيام المقبلة.
ضغط ناري مزدوج
ووفق ما رصده مواقع اخبارية منذ ثلاثة أسابيع وحتى الآن، فإن القصف الجوي الروسي والقصف المدفعي من جانب قوات الأسد يتركّز على القرى الواقعة في الجزء الجنوبي من الأوتوستراد الدولي (m4)، ليتوسع منذ أيام ويصل إلى محيط إدلب المدينة، التي يقطن فيها مئات الآلاف من المدنيين والمهجرين.
واللافت أنه وبالتزامن مع القصف الروسي على جنوب الأوتوستراد، يعمل الجيش التركي على حشد تعزيزاته في المنطقة التي يطالها القصف، بمعنى أن كلا من روسيا وتركيا تصعّدان القتال، لكن الأولى من الجو والأخرى على الأرض، في خطواتٍ حساسة قد تقود إلى صدام عسكري بشكل أو بآخر، حسب مراقبين.
“مصطفى” مقاتلٌ في تحالف “الجبهة الوطنية للتحرير”، والمحسوبة على الفصائل المعتدلة في سوريا، لا يتوقع في تصريحات لـ “موقع الحرة” أن تقدم موسكو على أي عمل عسكري في ريف إدلب الجنوبي، وخاصةً في منطقة جبل الزاوية، التي باتت من أكبر الثكنات التي يتموضع فيها الجيش التركي في إدلب.
ويضيف المقاتل، الذي يعمل ضمن مجموعة مؤلفة من 13 عنصرا وتنشط على خطوط التماس أن “المرحلة التي تمر بها إدلب تختلف عن السابق، والجيش التركي ورغم انسحابه من نقاط المراقبة، إلا أنه يحشد بشكل كبير على طرفي الأوتوستراد، والذي يعتبر فتحه كلمة الفصل في المحافظة”.
من جانبه يقول الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، نوار شعبان، إن أي تصعيد من روسيا وقوات الأسد على إدلب لا يمكن أن نضعه إلا ضمن “رسائل” من موسكو، تريد إيصالها للجانب التركي.
ويرى شعبان، في تصريحات صحفية بأن “الاستهداف الروسي سيستمر على ريف إدلب، مع استمرار تعزيز الوجود العسكري التركي في جبل الزاوية”، مشيرا إلى أن موسكو وأنقرة لم تتمكنا من تنفيذ بنود “سوتشي” على الأرض، وخاصةً فتح طريق “m4”.
وليست أنقرة الوحيدة التي لم تلتزم بفتح الطريق الدولي، بحسب الباحث المقيم في إسطنبول، حيث أن موسكو تعتبر طرفا معطلا أيضا لفتح الطريق الدولي، كونها لم تكبح نظام الأسد، وتوقف القصف بالصواريخ وقذائف المدفعية، والتي تتركز بشكل أساسي على طرفي الأوتوستراد.
ويوضح شعبان أن الروس وفي الوقت الحالي يحاولون الضغط بشكل مزدوج “من خلال الضغط الناري على تركيا بالاستهدافات المتكررة، إلى جانب ضغط آخر (اجتماعي) يتعلق بالحاضنة الشعبية، من أجل تأليبها على الوجود التركي، بزعم أنه لا يتمكن من صد أي عملية عسكرية على المحافظة أو حتى إيقاف الضربات الجوية عليها”.
مطلبان لموسكو
في سياق ما سبق وضمن التصعيد الذي تشهده إدلب، فإنه لم يدفع وحتى الآن أيا من أنقرة وموسكو للتعليق، سواء بالسلب أو بالإيجاب، في حين بدأت وسائل إعلام روسية بالترويج لعملية عسكرية جديدة، لكنها “غير واسعة”، من أجل إكمال بنود اتفاق “سوتشي” الأخير، على رأسها فتح الطريق الدولي (m4).
وكان الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، قد اتفقا، في مارس 2020، على وقف إطلاق النار في إدلب، عقب محادثات استمرت أكثر من خمس ساعات بحضور كبار مسؤولي البلدين.
وقرر الطرفان تسيير دوريات على طريق (m4) مع إنشاء “ممر آمن” بمسافة ستة كيلومترات شمال الطريق ومثلها جنوبه، وبالتالي مرور الدوريات المشتركة الروسية- التركية من مدن وبلدات تحت سيطرة المعارضة، كأريحا وجسر الشغور ومحمبل وأورم الجوز.
الـ12 كيلومترا على طرفي الطريق، اقتطعت، وفق الاتفاق، مساحات كبيرة من مناطق سيطرة المعارضة، على طول الطريق بين قريتي ترنبة غرب سراقب (ريف إدلب الشرقي)، وعين الحور بريف إدلب الغربي، وهما بداية ونهاية مناطق تسيير الدوريات التركية- الروسية، وهو “الممر الآمن”.
ولا يزال الغموض يكتنف مناطق جبل الزاوية جنوبي إدلب، بسبب وقوعها جنوب “الممر الآمن”، ما يؤدي إلى قطع اتصالها مع مناطق المعارضة الأخرى، وبالتالي محاصرة الحشود التركية الموجودة فيها من جديد.
مدير مركز “جسور للدراسات”، محمد سرميني، يقول في تصريحات صحفية إن قضية المنطقة الواقعة جنوب الطريق “m4” لا تزال من القضايا الإشكالية بين موسكو وأنقرة.
ويتابع سرميني: “لم توافق أنقرة على مطلبين لموسكو الأول: هو انسحاب تركيا من كامل المنطقة، والثانية تثبيت نقاط مراقبة للشرطة العسكرية الروسية في المنطقة الممتدة من أريحا حتى جسر الشغور، لذلك فإن التصعيد الروسي المتكرر غالبا هدفه التأثير على قرار تركيا بخصوص الموافقة على المطالب السابقة”.
ويوضح الباحث السوري أن منطقة جبل الزاوية التي تتركز فيها الحشود التركية، ومعها القصف الروسي تعتبر واحدة من أهم المناطق على الصعيد العسكري إن لم تكن أهم منطقة على الإطلاق، مشيرا “لذلك فإن الحفاظ عليها من قبل تركيا يعني ضمان نفوذ قوي في إدلب، وكذلك الإطلالة على الطرقات الدولية، كون قمم جبل الزاوية تشرف على طريقي m4 و m5”.
وفي حديث سابق قال سائق إحدى الشاحنات التي تشارك في عمليات إخلاء نقاط المراقبة إن أعدادا كبيرة من الآليات والمعدات التي يتم سحبها تتوجه إلى منطقة “قوقفين”، والواقعة في جبل الزاوية.
وتطل منطقة “قوقفين” على سهل الغاب في الريف الغربي لحماة، وتعتبر منطقة مرتفعة عن غيرها من المناطق، وتحظى بأهمية استراتيجية في الريفي الجنوبي لإدلب.
وحسب ما توضحه خريطة السيطرة الميدانية لإدلب فإن الجيش التركي يعمل على حشد عسكري كبير في منطقة جبل الزاوية، وخاصة في المناطق الواقعة جنوبي طريق (m4)، وهي المنطقة التي كانت حاضرة في الاتفاق الأخير المعدل لـ”سوتشي”، بين إردوغان وبوتين، في شهر مارس الماضي.