اكتسبت الانتخابات البرلمانية الإيرانية، التي أجريت جولتها الأولى في 21 فبراير الحالي، أهميتها ليس فقط من كونها تمثل اختباراً واضحاً لتوازنات القوى السياسية المختلفة، خاصة أنها تسبق إجراء الانتخابات الرئاسية في مايو 2021، وإنما أيضاً من أنها جاءت في توقيت تتصاعد فيه حدة الضغوط التي تتعرض لها إيران على الساحة الخارجية، والتي وصلت إلى درجة الانخراط في مواجهة عسكرية محدودة مع الولايات المتحدة الأمريكية، عقب مقتل قائد «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري قاسم سليماني في الثالث من يناير الفائت. وقد أثار هذا الترابط الواضح تساؤلات عديدة حول تداعيات نتائج الانتخابات على اتجاهات السياسة الخارجية الإيرانية خلال المرحلة القادمة.
ارتدادات مباشرة:
كان الترابط بين الانتخابات البرلمانية والضغوط الخارجية واضحاً من اللحظة الأولى، على نحو انعكس في تطورين رئيسين: الأول، إعلان الولايات المتحدة الأميركية، في 20 فبراير الجاري، أى قبل الانتخابات بيوم واحد، عن فرض عقوبات جديدة على مجموعة من المسئولين الإيرانيين، خاصة الذين لهم دور في الإشراف على الاستحقاقات الانتخابية المختلفة، على غرار أحمد جنتي رئيس مجلس صيانة الدستور، وهو المؤسسة المسئولة عن البت في أهلية المرشحين للانتخابات، مشيرة إلى أن هذا الإجراء صدر لتوجيه رسالة بأنها «لن تسمح بالتلاعب في الانتخابات لتسهيل خطة النظام الخبيثة»، حسب تصريحات وزير الخزانة ستيفن منوتشين. ويبدو من ذلك أن واشنطن تسعى إلى تأكيد أن خلافاتها مع طهران لا تكمن فقط في البرنامجين النووي والصاروخي أو الدور الإقليمي، وإنما تمتد أيضاً إلى التعامل مع المعارضة والقوى السياسية التي تتبنى توجهات متباينة نسبياً مع سياساته العامة.
والثاني، اتخاذ مجموعة العمل المالي الدولية «فاتف»، في 21 فبراير الجاري، بالتوازي مع إجراء الانتخابات، قراراً بإدراج إيران على قائمتها السوداء، بعد أربعة سنوات من رفع اسم إيران منها لمنحها الفرصة لاتخاذ تدابير وإصدار قوانين لمكافحة الإرهاب وعمليات غسيل الأموال. وأشارت المجموعة إلى أن سبب إعادة إدراج إيران على اللائحة السوداء وإعادة فرض العقوبات التي علقت عليها في عام 2016 يعود إلى فشلها في تطبيق خطة العامين التي التزمت بالعمل بها إزاء المجموعة الدولية وفشلها في اتخاذ التدابير والإجراءات المطلوبة منها لجهة محاربة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وهنا، تكمن العلاقة الأقوى بين الانتخابات واتجاهات السياسة الخارجية. فقد كان لافتاً أن مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) في دورته الحالية، التي يحظى فيها المعتدلون المؤيدون للرئيس حسن روحاني بنفوذ واضح، مرر مشروعي قانونين لمكافحة الإرهاب وغسيل الأموال، إلا أنهما قوبلا بتحفظات من جانب مجلس صيانة الدستور، المسئول إلى جانب البت في أهلية المرشحين للانتخابات عن تبيان مدى مطابقة تشريعات مجلس الشورى للدستور.
وقد أيد مجمع تشخيص مصلحة النظام، المكلف بتسوية الخلافات العالقة بين مجلس صيانة الدستور ومجلس الشورى الإسلامي، هذه التحفظات، على نحو أدى في النهاية إلى تأخر تفعيل قرار انضمام إيران إلى المجموعة الدولية، رغم أن الأخيرة منحت إيران أكثر من فرصة لاتخاذ هذا القرار دون أن تنجح حكومة الرئيس حسن روحاني في انتزاع موافقة مجلس صيانة الدستور ومجلس تشخيص مصلحة النظام عليه حتى الآن.
وقد حاول الرئيس روحاني وبعض المسئولين توجيه تحذيرات عديدة للمؤسستين من أجل الإسراع في التصديق على المشروعين من أجل تجنب العواقب التي يمكن أن يسفر عنها التأخر في ذلك دون أن تكون هناك استجابة واضحة في ذلك.
ومع الوضع في الاعتبار أن التقديرات تشير إلى أن القوى السياسية التي تنتمي لتيار المحافظين الأصوليين سوف تحقق النتائج الأبرز في الانتخابات الحالية، بما يعني أنه سيكون لها النفوذ الأكبر في الدورة الجديدة، فإن ذلك معناه أن التوازنات الجديدة في البرلمان سوف تشكل عقبة أخرى أمام انضمام إيران لمثل هذه المعاهدات، بعد أن كان البرلمان، في دورته الحالية، أحد المؤسسات التي دعمت ذلك.
واللافت في هذا السياق، أن المؤسسات التي تبدي تحفظات عديدة على تفعيل المشروعين ترى أن ذلك سوف يفرض مزيداً من القيود على الدعم الذي تقدمه إيران لحلفائها في بعض دول الأزمات، وهو ما يتعارض مع سياسة حكومة روحاني وتيار المعتدلين التي ترى أن الانضمام لهذه المجموعة الدولية من شأنه دعم الجهود التي تبذلها للانخراط في المنظومة المالية العالمية ورفع مستوى التعاملات المالية بين المؤسسات الاقتصادية والمالية الإيرانية ونظيراتها الأجنبية.
توافق محتمل:
على ضوء ذلك، يمكن القول إن مجلس الشورى في دورته الجديدة، التي يتوقع أن يتسع فيها نفوذ تيار المحافظين الأصوليين بأطيافه المختلفة، سوف يتجه إلى التوافق بشكل أكبر مع الاتجاهات العامة للمؤسسات الأخرى داخل النظام التي تؤيد الإجراءات التصعيدية التي يتخذها على المستوى الخارجي، لاسيما مجلس صيانة الدستور ومجلس تشخيص مصلحة النظام.
ولا ينفي ذلك أن تيار المحافظين الأصوليين لن يمثل كتلة واحدة داخل البرلمان، في ظل التنافس القائم بين قواه الأساسية، والذي قد يظهر مبكراً عند اختيار رئيس المجلس الجديد ولجانه الرئيسية.
وقد يسعى مجلس الشورى خلال المرحلة القادمة إلى ممارسة ضغوط أكبر على الرئيس حسن روحاني من أجل اتخاذ مزيد من الإجراءات التصعيدية، لاسيما فيما يتعلق بمواصلة تبني خطوات للرد على العقوبات الأمريكية، خاصة أن بعض النواب الذين يتوقع فوزهم في الدورة الجديدة كانوا من الرافضين بشدة للوصول إلى الاتفاق النووي، الذي اعتبروا أنه يتضمن تنازلات كبيرة من جانب إيران، مثل تخفيض مستوى وكمية اليورانيوم المخصب وحصر عمليات التخصيب في منشأة واحدة وتعديل نظام تشغيل مفاعل آراك وعدم استخدام أجهزة طرد مركزي أكثر تطوراً، مقابل الحصول على امتيازات متواضعة، ثبت، في رؤيتهم، أنها لا تتوافق مع الحملة التي شنتها الحكومة وتيار المعتدلين للترويج لـ»مزايا وعوائد» الاتفاق، سيما بعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية، في الثامن من مايو 2018، الانسحاب منه وإعادة فرض العقوبات على إيران، بشكل أنتج تداعيات اقتصادية قوية على الأخيرة.
وربما يتعمد الأصوليون الإسراع في الإعلان عن توجهاتهم الجديدة داخل مجلس الشورى، من أجل تعزيز قدرتهم على إيصال أحد كوادرهم إلى منصب رئيس الجمهورية في الانتخابات الرئاسية التي سوف تجري في منتصف عام 2021، ولن يترشح فيها الرئيس حسن روحاني، الذي تولى منصبه لفترتين متتاليتين.
حدود محتملة:
مع ذلك، فإن انخراط مجلس الشورى في دورته الجديدة في التفاعلات الخارجية الإيرانية سوف تكون له حدود. إذ أن ذلك سيرتبط، في كل الأحوال، باتجاهات تلك التفاعلات، وما إذا كانت ستنتهي بتعرض إيران لعقوبات دولية جديدة بعد إقدام الدول الأوروبية على تفعيل آلية فض النزاع في الاتفاق النووي رداً على تخفيض طهران لالتزاماتها في الاتفاق النووي، أم باستمرار العمل بالاتفاق وترك الباب مفتوحاً أمام الوصول إلى اتفاق جديد في حالة ما إذا أدركت القيادة الإيرانية صعوبة مواصلة النهج الحالي، خاصة أن الخيارات المتاحة أمامها قد لا تكون متعددة.
- مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة