شينا كاتز
فيما تستعدّ إسرائيل لإجراء انتخابات وطنية ثالثة غير مسبوقة في آذار/مارس، بقيَتْ السياسة المحلّيّة عالقة في نوعٍ من الركود السياسي لفترة عامٍ تقريبًا منذ الانتخابات الأصليّة التي جرت في نيسان/أبريل 2019. إلّا أن مطالب الإصلاح لم تتوقّف، بما فيها المسألة المثيرة للجدل المتعلّقة بالجريمة والعقاب في إسرائيل. وتجدر الإشارة إلى الاحتجاج العام مؤخّرًا بين الإسرائيليين العرب على مزاعم متعلّقة بالجهود غير المتوازنة والتمييزية لحفظ القانون والنظام في المجتمعات العربيّة.
مع الارتفاع الحادّ في الجرائم العنيفة ضمن المجتمعات العربيّة، طالبَ هؤلاء المواطنون الحكومة الإسرائيلية بالمزيد من الموارد وبزيادة تواجد الشرطة كطريقة لتخفيف حدّة المشكلة، فيما اعتبروا أنّ مجتمعهم تعرّض للإهمال نسبةً إلى المجتمعات اليهودية الإسرائيلية من حيث الجهود المبذولة في سبيل حفظ القانون والنظام.
يثير أيضًا الدفع باتّجاه بذل المزيد من الجهود الشاملة لحفظ القانون والنظام في المجتمعات الإسرائيلية العربية مسألةَ ما الذي يحدث لأولئك الذين يخضعون للنظام الجزائي الإسرائيلي. وفيما تركّز الاحتجاجات على المزيد من الحماية المجتمعيّة، تبرز حاجة حيوية على نحوٍ مماثل – وإن لم تكن معلَنة بالقدر نفسه – لإعادة تأهيل أولئك المحكوم عليهم بجرمٍ أو السجناء السابقين.
وفقًا للتقارير الرسميّة، سجّل عام 2018 234 سجينًا في إسرائيل من أصل 100 ألف ساكنٍ، ما يفوق إلى حدٍّ كبير المعدّل العالمي البالغ حوالى 145 سجينًا من أصل 100 ألف. فتجدر ملاحظة أن المعدّلات التقديرية للأسرى على عدد السكّان الإجمالي في إسرائيل، إلى جانب البحرين والمغرب، هي الأعلى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويمكن أن يتوقّع معظم الجناة التواجد في السجن من ثلاثة أشهرٍ إلى ثلاث سنوات بسبب ارتكاب جنحة، فيما يترتّب عن ارتكاب الجناية ما يفوق ثلاث سنوات من الحُكم بالسجن.
عدا عن ارتفاع عدد السجناء نسبيًّا، تفوق نسبة العودة إلى الإجرام في إسرائيل المعدّل، إذ يعود إلى السجن 41 في المئة من إجمالي عدد السكّان ونسبة ملحوظة تبلغ 75 في المئة من الذين لم يتجاوزوا الثامنة عشر من العمر بعد إطلاق سراحهم وفقًا لبيانات عام 2016. ووجدت إحدى الدراسات في العام نفسه أنه إذا استطاعت إسرائيل تخفيض معدّلات العودة إلى الإجرام بنسبة 8 في المئة فحسب، قد يصبح بإمكانها توفير حوالى 3 مليار شيكل (857218800 دولار أمريكي) في السنة. وأدركت وزارة الماليّة الإسرائيلية منذ ذلك الوقت مدى خطورة الوضع فكرّست موارد إضافية لإعادة تأهيل السجناء، لكن ما زالت تُطرَح مسألة إضافية حول إذا ما كانت هذه الموارد متاحة للجميع.
في حين أن الإسرائيليين العرب لا يشكّلون سوى 20 في المئة من السكّان الوطنيين، فهم يمثّلون 40 في المئة من السجناء في إسرائيل. إلا أن الأغلبية الساحقة من الموارد المخصصة لإعادة تأهيل السجناء تُكرّي لبرامج تستهدف غالبية السكّان، ما يستنزف الموارد الخاصة بالبرامج المصممة لدعم الإسرائيليين العرب أو يترك هذه البرامج غير مجهَّزة جيّدًا لتوفير الخدمات التي تتمتع بالكفاءة الثقافية إلى السجناء السابقين الذي يبتغون إعادة الانضمام إلى المجتمع.
عند مغادرة السجن، تبقى جهود إعادة التأهيل المتوافرة والمصممة خصيصًا لتلبية حاجات المواطنين الإسرائيليين العرب شحيحة. ويمكن أن يعود توفير الخدمات ذات الكفاءة الثقافية بمنفعة كبيرة من حيث تخفيض معدّلات العودة إلى الإجرام. فعلى الأرجح، يساهم الغياب العام لمراكز إعادة التأهيل التي تستخدم اللغتيْن، أو المنظّمات التي تهدف بشكلٍ خاص إلى دعم الإسرائيليين العرب عند إطلاق سراحهم، في العزل والمزيد من الابعاد.
يُظهِر أحد استثناءات هذه القاعدة – وهو دارٌ لإعادة التأهيل يُدعى «بيت النعمة» ويقع في حيفا – كيف يمكن أن يبدو النظام البديل في إسرائيل. ففي عام 2011، نقّح الكنيست مجموعةً من القوانين الأساسية التي سلّطت الضوء على الحقوق الأساسية. وشملَ جزءٌ من هذه الإصلاحات السماح ببدائل المحاكمة للجناة غير العنيفين، مثل دور إعادة التأهيل.
تساعد «مصلحة السجون الإسرائيلية» على تنظيم هذه المنظّمات، المصممة لإعادة التأهيل وتأمين المأوى للسجناء السابقين الذين أُطلقَ سراحهم باكرًا، أو خضعوا للأحكام البديلة، أو انتقلوا من الحجز إلى العيش خارج السجن. فتعمل «مصلحة السجون الإسرائيلية» مع هذه المؤسسات من خلال التدقيق فيها في إطار المبادئ التوجيهية الصادرة عن نظام العدالة الجنائية لضمان تلبيتها الحاجات الأساسية الخاصة بالأشخاص الذين تخدمهم. ويمكن أن تشكّل دور إعادة التأهيل أيضًا صلة وصلٍ بين الوكالات الحكومية والمنظّمات المجتمعية من أجل ضمان إعادة الدمج الفعّالة للمقيمين فيها داخل المجتمع.
راقبَ المؤلّف مباشرةً جهود «بيت النعمة» فيما كان يعمل هناك في عام 2017. وتشكّل هذه المنظّمة الدار الإسرائيلي الأوّل والوحيد لإعادة تأهيل السجناء العرب الذين حصلوا مؤخّرًا على الإفراج المشروط، ويؤدّي «بيت النعمة» أيضًا كمنظّمة مسيحية عربية دورًا أساسيًّا في تلاقي الهويات والمجموعات داخل إسرائيل. وفي الأصل، كان «بيت النعمة» مفتوحًا لكلٍّ من المواطنين اليهود والعرب حتى عام 2011، حين طلبت الحكومة الإسرائيلية من هذه المنظّمة العمل حصريًّا مع العرب. ويفتخر «بيت النعمة» أيضًا بارتفاع معدّل المقيمين فيه الذين ينجزون بنجاح برنامج إعادة التأهيل الممتد على أشهرٍ إلى 71 في المئة، وقد صُمّم هذا البرنامج لتسهيل الدخول مجددًا إلى المجتمع العام.
مع ذلك، أعرب رئيس المنظّمة غالبًا عن القلق الشديد بشأن التضارب بين العدد الكبير من المواطنين الإسرائيليين العرب في السجن وقدْر المساعدة التي يستطيع أن يوفّرها «بيت النعمة» واقعيًّا، نظرًا إلى امتلاك هذا الدار خمسة عشر سريرًا فحسب. كما جاهد «بيت النعمة» لمكافحة التهديدات بإيقاف تمويله كلّيًّا. ففي عام 2015، حاولت «هيئة إعادة تأهيل السجناء» إنهاء ارتباطها بـ»بيت النعمة» بسبب الاقتطاع من الميزانية داخل هذه الدائرة. وتم العدول عن هذا القرار في وجه انتشار الغضب المجتمعي، لكنّ الحادثة أثبتت ما صنّفه د. وليد حداد – وهو مشرفٌ في «هيئة مكافحة المخدّرات» في المجتمع العربي – كعجزٍ عن إدراك «أهمية الحساسية الاجتماعية» حين يتعلّق الأمر بالخدمات المصممة للمواطنين الإسرائيليين العرب.
في خلال العام الماضي، كافح نظام السجون في إسرائيل أيضًا بسبب غياب القيادة، الذي أدّت إليه التحديات الخاصة بالقسم الرقابي مع القانون. فأُجبر وزير العمل والرفاهية والخدمات الاجتماعية السابق حاييم كاتس على الاستقالة في آب/أغسطس الماضي بسبب تهم الفساد. وتخلّى خلفه أيضًا – أي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن واجباته الوزارية بسبب تهمه الخاصة. وتبوّأت وزيرة جديدة – هي يفعاط ساشا-بيتون – هذا المنصب في 5 كانون الثاني/يناير، إلا أن هذا التعيين قد يتبدّل في غضون عدة أشهرٍ إذا استقدمت الانتخابات في آذار/مارس أخيرًا رئيس وزراءٍ جديدًا. وبسبب هذه الحالة المطوّلة من الركود السياسي، قد يتخوّف الكثيرون الآن من قيام الحكومة مجددًا رغم كل شيء بفسخ عقدها مع «بيت النعمة»، وهذه المرّة بشكلٍ دائم.
مع ذلك، طالما يبقى «بيت النعمة» موجودًا، يوحي نجاحه في تخفيض معدلات العودة إلى الإجرام بين المقيمين فيه بطريقة أخرى للمضي قدمًا في السياسات الإسرائيلية إزاء الذين سبق أن سُجنوا. فيشكّل المزيد من التشديد على الإشراك وإعادة الدمج سبيلًا لتحقيق القيم الديمقراطية الإسرائيلية، ويساعد في الوقت نفسه على ضمان الاستقرار المحلّي. و»بيت النعمة» هو حاليًّا مؤسسة فريدة، لكنّه يمثّل نموذجًا مثبَتًا يمكن تطبيقه بمساعدة التمويل في أماكن أخرى، ما يساعد إسرائيل على تخفيض معدلات العودة إلى الإجرام فيها وما يُظهر اهتمامًا بالمجتمع الإسرائيلي العربي.
* عن معهد واشنطن للدراسات