بصرف النظر عن مدى دستورية استقالة رئيس مجلس الوزراء وطاقمه الوزاري من جهة، ينشغل الوسط السياسي اليوم، بمسألة تكليف رئيس جديد لمجلس الوزراء، وفقا للتوقيتات الدستورية وضمان الالتزام بالدستور هذه المرة لغرض تكليف مرشح جديد من قبل رئيس الجمهورية. وقد تبدو المهمة شاقة وتمثل محنة حقيقية واختبارا صعبا للكتل السياسية ولمجلس النواب، في ظل استمرار حركة التظاهرات والاحتجاجات الشعبية واستمرار جريان حمام الدم في بعض المحافظات واستمرار اضراب موظفين وطلاب مدارس عن الدوام.
الدستور من جهته نص في المادة 81 ثانيا على ان يتولى رئيس الجمهورية عند خلو منصب رئيس مجلس الوزراء لأي سبب كان، أن يكلف مرشحا آخر بتشكيل الوزارة خلال مدة لا تزيد على 15 يوما وفقا لأحكام المادة 76 من الدستور، أي بمعنى أن يكلف مرشحا من الكتلة الأكبر. وهذه المحنة الكبرى، حيث أن المتظاهرين والشارع العراقي بصورة عامة، يرفض تدوير الوجوه السياسية، وتكليف مرشح شغل منصبا في السابق، حتى لو لم تكن عليه مؤشرات وقضايا فساد.
سائرون بوصفها الكتلة الأكبر عددا بينت وعلى لسان أحد أعضائها بأنها تتنازل عن حقها الدستوري في تكليف مرشح جديد من بين أعضائها، وطلبت أن يكون اختيار رئيس الوزراء الجديد على وفق رغبات المتظاهرين. كتل أخرى، بينت أنها الأحق بتسمية مرشح للوزارة، وفعلا تم طرح مجموعة من الأسماء كمحاولة من الكتل السياسية لجس نبض الشارع. بالعودة الى الوراء، نجد أن رئيس مجلس الوزراء المستقيل، عادل عبد المهدي هو أصلا لم يكن من الكتلة الأكبر، ولم يتم ترشيحه وفقا للمادة 76 من الدستور، بل كان مرشحا توافقيا، حاز على موافقة جميع الكتل السياسية، وجيء به كمرشح تسوية. بمعنى ان اختيار رئيس جديد للوزارة، لا يشترط معه أن يكون وفقا للمادة 76 من الدستور، حيث إن صاحبة الحق في الترشيح تنازلت عنه وهي الكتلة الأكبر عددا. فهل سيتم احترام التوقيتات الدستورية في مسألة تكليف مرشح جديد؟ علما إن المدة الدستورية البالغة 15 يوما قد بدأت منذ اعلان استقالة عبد المهدي. فهل سيكلف رئيس الجمهورية مرشحا من خارج الكتلة الأكبر كما كلف الرئيس المستقيل؟ أم سيكلف مرشحا من الكتلة الأكبر التزاما بالدستور وعندها سوف لن ينال الرئيس الجديد ثقة الشارع والمتظاهرين. أو بالإمكان أن تتولى الكتلة الأكبر اختيار رئيس مجلس وزراء جديد من خارجها ومن خارج العملية السياسية علما ان المادة 76 نصت على ان يتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشح الكتلة النيابية الأكبر عددا ولم تنص على ان يكون المرشح من أعضاء مجلس النواب. في حالة عبد المهدي، فهو لم يكن مرشح الكتلة الأكبر، بل كان مرشح جميع الكتل السياسية وبالتالي، فإن وجوده على رأس الوزارة كان يتضمن مخالفة دستورية صريحة. الزمن سيكون كفيلا بأن تتكشف ملامح الوزارة الجديدة أو قد لا تتشكل في ظل الوضع الحالي المأزوم.
سلام مكي