-1-
لم يكن العراق مِنْ بين البلدان التي تُمارسُ فيها عمليات الانتحار بشكل ملحوظ ، ولكننا في الفترة الأخيرة أصبحنا نشهد ما يمكن ان نُطلق عليه وصف (الظاهرة) لتعدد الحالات والمحاولات من قبل الذكور والاناث ..!!
انّ الانتحار يعني الجبن والنكوص عن مواجهة التحديات الحياتية ، وبالتالي فهو صفة ذميمة وليست محمودة على الاطلاق .
ثم انه يكشف عن افلاس شديد في المنسوب الاخلاقي أيضا ، وتعقيد في المحتوى النفسي ..
انّ التوجه الى الله سبحانه وطلب العون منه على تجاوز المصاعب هو الاسلوب الأمثل، والله سبحانه لا يُعجزه شيءٌ ، وانما أمره اذا أراد شيئا ان يقول له كن فيكون .
ولم تُسلّطْ الاضواءُ – للاسف الشديد – في الأوساط العامة على سلبيات الانتحار .
والمهم :
تكثيف العناية بتأمين الحاجات الحياتية المطلوبة لكل مواطن ، واذا لم تكن الدولة قد وفرتّها فانّ اشباعها من قبل أصحاب القدرة والمروءة أمرٌ ليس بالصعب …
وهذا الدور التكافلي التضامني المغموس بروح المسؤوليةوالمحبة للآخرين، هو المطلوب في كل الأحوال ، ولكنه مطلوبٌ بدرجة أكبر ازاء محاولات الانتحار الناشئة من ضيق ذات اليد ..
-2-
الظلم بكل أشكاله وصوره مكروه ومرفوض فما بالُكَ بِمَنْينتقمُ من نفسه، ويظلمُ نَفْسَهُ حين يعدمها الحياة …؟
وليس الأمر مقتصراً على ظلم النفس فقط، بل يتعدى الى ظلم الاسرة والعشيرة بأسرها، فهل غاب عن المنتحر ما سيعانيه والداهُ مِنْ صدمة مروّعة ، وما ستعيشه الأسرة من أجواء تراجيدية؟
وأخيرا : فان المنتحر ينتقم من المجتمع بأسره ، حين يعمد الى تضييع أحد أفراده..!
-3-
قد يقال :
انّ المحكوم بالاعدام مثلاً لن يؤدي انتحارُهُ الى أيةِ سلبيةٍلانه مقتول على كل حال
والجواب :
ان كثيرا من المحكومين بالاعدام لا تنفذ فيهم الأحكام، وقد تتغير، وقد تستبدل تلك الأحكام بأحكام اخرى دون الاعدام فالمسألة ليست حتمية يقينيّة على كل حال .
-4-
وكاتب السطور يذهب الى أنَّ المنتحر لحظةَ الانتحار ليس ممن يملك عقلَهُ وَوَعْيَهُ ، ففي هذه اللحظة يغيب عن كل المعادلات والحسابات العقلانية .
وهنا يُلقي به الشيطان في أتون (الانتحار).
-5-
اننا لا نبرر للمنتحرين عملهم ولكننا مِنْ فَرْطِ استهجانِ ما يُقدمون عليه مِنْ مغامرةِ الانتحار، نزعم أنهم يفقدون عقولهم لحظة الانتحار
وفاقد العقل لا يواخذ بما يعمل …!!
-6-
وقد تقول :
انّ دافع الانتحار قد يكون الضغط الشديد مِنْ ضميرٍ يأبى أنْ يبوء المنتحر بجريرة عظيمة تبعده عن ربه، فيأتي الانتحار في سياق التكفير عن اجتراح تلك الجريرة ..
ان الشعور بالندم على ارتكاب الجريرة هو أهم شروط التوبة، التي فتح الله بابها لكل الذين ارتطموا بالمآثم والمظالم، وبالتالي فان الانتحار ما هو في الحقيقة الاّ اضافة جريرة جديدة الى جرائره السابقة .
بينما “التوبة” هي الحد الفاصل بين عهدين :
عهد ملوث بالجريرة ،
وعهد نقيّ لا تلوثه الجريرة
فالمتعين اذن :
هو التوبة لا الانتحار .
حسين الصدر