كان سائق سيارة النقل الخاص المعروفة باسم ( الكيا ) يقف امام سيارته وهو يزعق صارخا ( علتبريد .. نفرين .. علاوي / الباب الشرقي ) فاسرعت لأشغل احداهما ولكن تبين ان موديل السيارة قديم ولا تبريد فيه كما ان مجموع الراكبين الذين سبقوني اليها ثلاثة فقط وليس كما يدعي السائق .. وحينما سألته : لماذا كذب علي , اطلق قهقهة سمجة وقال : ( يمعود هي هاي سيارة بيها تبريد .. والعبرية جايين اذا مو اليوم باجر .. ها .. ها .. ها ) ..
وفعلا راح يتوافد الراكبون والسائق يكرر ( نفرين .. نفرين ) الى ان ارهقتنا الحرارة في علبة الصفيح تلك فتململ بعضنا وهو يمسح عن جبينه قطرات العرق .. ولكن احد الجالسين الذي تجاوز عمره العقد الخامس وكان شاحب البشرة يحمد الله ويثني عليه قائلا : الحرارة العالية افضل لي من تبريد المستشفى الذي نقلني اليه اولادي فقد اضطررت الى حمل ( المغذي ) والخروج من ردهة الطوارىء الى باحة المستشفى تلمسا لحرارة الشمس حيث كان ولدي الاصغر قد ذهب الى الممرضين لتقليل قوة التبريد ولم يحصل على جواب او اجراء ولما ذهب الى مسؤولة المخزن لطلب البطانية كي يغطيني بها اجابته بعدم وجودها …
وعندما حضر ابني الاكبر الذي يعمل في مكتب السيد ( …. ) استاء من معاناتي تلك فذهب الى تلك المسؤولة عن المخزن وعرف عن نفسه فاستقبلته بابتسامة عريضة واعطته ( بطانيتين ) بدلا من واحدة ليغطيني بها بعد ان اعادني للسرير …
وكانت من بين الجالسين امرأة كبيرة السن احبت مشاركة الآخرين تعليقاتهم قائلة : في الشهر الماضي ذهبت بابنتي الصغرى وهي حامل في شهرها التاسع وكانت تنزف الى مستشفى في جانب الكرخ مختص بالنسائية والتوليد وهو حكومي فلم يتم استقبال ابنتي بحجة ان هناك مستشفى آخر ايضا بالكرخ هو الاقرب الى محل سكننا وعلينا مراجعته وفعلا شددت الرحال اليه بسيارة اجرة عابرين الكم الهائل من السيطرات العسكرية والازدحامات الكثيفة قبل الوصول الى اي من تلك السيطرات ولما وصلنا المستشفى المقصود زجرتني الطبيبة وطردتني بحجة انها مربكة من حجم المراجعات لصالة الولادة وعدم وجود حاضنة للخدج غير مشغولة فارسلتني الى مستشفى آخر ايضا في الكرخ …
وهنا قاطعها احدهم قائلا : ياخالتي .. لو كانت مراجعتك لمستشفى اهلي لما تعرضت لكل هذا الاذلال … فايدته الامرأة واسترسلت ذهبت الى المستشفى الثالث وكان الوقت متأخرا فطلبوا مني الخروج من صالة الولادة والعودة بابنتي في اليوم التالي وحينها تذكرت ان لنا قريبا يعمل في المستشفى الثاني كطبيب تخدير وزوجته ايضا طبيبة فاتصلت به هاتفيا ووصفت له حالة ابنتي ومعاناتي مع المستشفيات الحكومية فطلب مني ان اعيد ابنتي الى المستشفى الذي ليس فيه حاضنة اطفال خدج شاغرة وانه سيرتب الامر مع الطبيبات لاستقبالنا .. وفعلا وجدنا الترحيب والاستقبال على غير العادة وولدت ابنتي والحمد لله فتاة جميلة ولكن لم تكتمل الفرحة بسبب استشهاد والدها قبل ولادتها …
عندها انهالت الانتقادات بشأن اداء العاملين بالمستشفيات فمنهم من تحدث عن الاطباء الخافرين في الطوارىء الذين يختفون فجأة وآخرين امتعضوا من استجداء الممرضين والممرضات وعمال الخدمة من المراجعين ومن شحة الدواء والوجوه المكفهرة في المستشفيات الحكومية وعكسها بالاهلية …
ماجد عبد الرحيم الجامعي