أمر الفساد وشبكاته الاخطبوطية الممتدة الى تفاصيل حياة الدولة والمجتمع (أفرادا وجماعات) في هذا الوطن المستباح، لا يحتاج الى الاستعانة ببيانات وتقارير ومعطيات، فقد وضعنا آخر تقرير لمنظمة الشفافية الدولية على رأس قائمة الدول الاكثر فسادا عالمياً وعربياً، وهذا يبطل ادعاءات جميع الحكومات التي تعاقبت على ادارة عراق ما بعد زوال النظام المباد، حول خططها وفتوحاتها في هذا المجال. جميع تلك المحاولات والادعاءات لم تفشل في انجاز ما وعدت به وحسب، بل ساهمت في تمدد هذا الوباء الى مساحات ومجالات أوسع وأعمق، ولاسباب ومناخات يعرفها المتابع الحصيف للمشهد الغرائبي الراهن. الحكومة الجديدة برئاسة السيد عادل عبد المهدي وبالرغم من فشلها في استكمال طاقمها الوزاري، بادرت الى اعلان الحرب على هذا الوباء والذي فشلت في التصدي له الحكومات السابقة، حيث أصدر الامر الديواني (رقم 70) والخاص بتشكيل وتفعيل المجلس الاعلى لمكافحة الفساد (تأسس في عهد العبادي العام 2015 ولم يفعل آنذاك)، والذي ضم ممثلين من مختلف المؤسسات الامنية والقضائية والرقابية.
لقد أثار هذا الامر الديواني العديد من ردود الافعال المتباينة، وبمقدور المهتمين بهذا الملف الشائك (الفساد) اكتشاف حجم الاحباط والشك عند القسم الأكبر منهم، ولا يختلف الامر كثيرا عند عامة الناس والذين يعيشون في تماس واحتكاك يومي مباشر مع تجليات ذلك الوباء وآثاره القاسية على حياتهم اليومية وتطلعاتهم المستقبلية. وحول ذلك يقول السيد هوشيار عبد الله (عضو اللجنة المالية البرلمانية): (ان تشكيل هذا المجلس هو خطوة خاطئة، تساهم في زيادة الترهل المؤسساتي في الدولة العراقية). ولأجل تبرير اتخاذ مثل هذه الخطوة ينتظر من السيد عادل عبد المهدي، تنفيذ ما وعد به عندما انبرى لهذه المسؤولية الجسيمة، أي القرارات المسؤولة والشجاعة في مواجهة التحديات والتي يستلقي غول الفساد على سنامها الاعلى، ومثل هذا المنحى والسلوك لم نجده طوال الاشهر التي انقضت من عمر حكومته والبرلمان الذي انهى فصله التشريعي الاول. لذلك ومن خلال دراسة ما ينضح عن المشهد الراهن، لا نجد انفسنا مع المتحمسين لمثل هذه المجالس والاوامر الديوانية، والتي من المرجح التحاقها بذلك الصف الطويل من الأضابير الحكومية والتي لفظت انفاسها مع اول مواجهة جدية مع ذلك الغول الاسطوري.
كما اننا كمراقبين لم نوفق في العثور على ما ينعش الآمال عند (الدولة والمجتمع) في الانخراط الجدي بمثل هذه المواجهة الشرسة والمصيرية مع اخطبوط الفساد ومافياته وشبكاته وفصائله المدججة بالسلاح والغدر والأشباح. وهذا ما لمح اليه رئيس هيئة النزاهة القاضي عزت توفيق جعفر عندما قال: (ان هيئته وجميع الهيئات الرقابية تعمل في بيئة غير آمنة). وهو بهذا قد أشار بوضوح وشجاعة ودقة الى علل فشل جميع محاولات مكافحة الفساد السابقة واللاحقة. ان مكافحة الفساد الفعلية لا الاستعراضية، لا يمكن لها ان تخطو ادنى خطوة وكما أشرنا مراراً؛ من دون وجود حراك اجتماعي وسياسي وقيمي، يقف خلفها ويمدها بكل ما تحتاجه من همم وامكانات وملاكات في هذه الحرب متعددة الجبهات، ولن نجافي الموضوعية عندما نعدها اخطر وأشرس وأوسع من الحرب التي خضناها صد عصابات داعش الارهابية. لذلك ستكون المهمة شبه مستحيلة امام هذا المجلس، والذي سيتذكر اعضائه سريعاً محنة طيب الذكر دون كيخوته…!
جمال جصاني
الفساد والأوامر الديوانية
التعليقات مغلقة