PUBG الكتلة الأكبر

ليس هناك أدنى شك حول ما حققته لعبة (PUBG) من شعبية ونفوذ في العالم كله، وهذا ما أشارت اليه الشركة المطورة لهذه اللعبة، عندما أعلنت ان عدد مستخدميها حول العالم على الاجهزة المحمولة، قد تجاوز الـ 200 مليون مستخدم. ومع ان هذه الشركة لم تزودنا بعدد مستخدمي هذه اللعبة في العراق، فالمعطيات والآثار المباشرة وغير المباشرة لها على شرائح واسعة من العراقيين، تشير بوضوح الى ما اكتسحته من طاقات واهتمامات وأوقات لا حدود لها، ولن نكون بعيدين عن الواقع عندما نمنحها عنوان الكتلة الاكبر في المشهد الراهن، من حيث عدد المنخرطين في همومها ومعاركها المتعاظمة حلقة بعد اخرى وطور بعد آخر، كما انها والحق يقال كتلة عابرة لأسلاك المحاصصة.
لقد وجدت هذه اللعبة في العراق بكل اطيافه واجياله وبنحو خاص شريحة الشباب، ما لم تحلم به من آفاق وتوقعات للنجاح والنفوذ، وكل ذلك يعود لما نتميز به كمجتمع (افراداً وجماعات) من احترام وتقدير لكل ما هو جديد في حقول اللعب واللهو والحروب والقادسيات الافتراضية، ذلك العالم الذي يتناغم وموروثاتنا في مجال الكراهة والعدوانية والاحقاد وشيطنة الآخر المختلف وسلبه حقه في الوجود الواقعي والافتراضي. لقد جاءت هذه اللعبة لتمد لا العاطلين عن العمل بما يشغلهم عما يعيشونه من بؤس وحاجة وانسداد للآفاق وحسب بل اكتسحت سريعاً ذلك الجيش العرمرم من الموظفين العاملين في دوائر الدولة، تلك القطاعات المبتلاة بساعات طويلة من المكوث الاجباري على مقاعد وظيفة لا يسبر غورها وسبب وجودها أكثر الراسخون بعلوم البطالة المقنعة وجيوش التنبلة الرسمية.
فكرة هذه اللعبة (PUBG) والتي طورتها شركة كورية جنوبية، تدور حول مجموعة من اللاعبين يتصارعون حتى الموت، وهي مزودة بآخر تقنيات التسلية والتشويق والمتعة والاثارة، لذلك تجد المشارك فيها ينفعل ويضطرب ان انقطع عنها لأي سبب، فهي قد صممت كي تكبل اللاعب بها وبمتطلباتها بشكل محكم.
ومن الاهمية بمكان الاشارة الى ان المعطيات والارقام تشير الى ان شعبية هذه اللعبة هي أكثر ما تكون عليه بين العرب والهنود ونادراً ما تجد بين المنخرطين بها من الاوربيين أو من صانعي اللعبة انفسهم أي الكوريين الجنوبيين.
وهذا يشير بوضوح الى البيئة المثالية لمثل هذه الالعاب وعلل انتشارها في مضاربنا المسكونة بالعطالة المزمنة والاهتمامات التي عفا عليها الزمن، حيث الاغتراب الطويل عن التحديات الواقعية لعصرنا والاصرار على مواجهة ما يحصل من زحزحات وثورات علمية وقيمية هائلة بعقل وسرديات القرن السابع الهجري. وكما أشار عدد من العلماء فان انتشار مثل هذا الالعاب ” يعد نوعاً من الهروب بعيداً عن العالم الحقيقي” الى حيث العالم الافتراضي الذي يمنح المشارك فرصة تحقيق الكثير من آماله المحبطة، وبنحو خاص بالنسبة لشريحة المراهقين “.. والذين يمارسون هذه الألعاب هرباً من مشكلاتهم العاطفية، وما يواجهونه من صعوبات في الدراسة والانخراط في المجتمع..” وهناك نقطة غاية في الاهمية اشاروا اليها تتعلق بموضوع العنف والعدوانية في ممارسة هذه اللعبة والألعاب المماثلة لها “.. ان هذه اللعبة تجعل المنخرطون بها ينظرون الى العنف كوسيلة لحل جميع المشاكل، وان العنف هو السبيل الأنسب للفوز بالعالم الحقيقي، مما يجعلهم يصابون بفقدان الحساسية تجاه العنف، فيقلل ذلك من شعورهم الأخلاقي تجاه الآخر..” وهذا آخر ما نحتاج اليه في بلد صار عالمه الواقعي نهباً لعصابات الهمجية والعنف والاجرام…
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة