يكشف التفجير الانتحاري الذي شهدته تونس في 29 أكتوبر 2018، ووقع على مقربة من إحدى الدوريات الأمنية التي كانت متواجدة بشارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة، على نحو أدى إلى إصابة 20 شخصًا من بينهم 15 شرطيًا، عن تحول جديد في النشاط الإرهابي داخل البلاد، سيما وأن آخر العمليات الإرهابية التي نفذت كانت في تشرين الثاني نوفمبر 2015، عندما استهدف تنظيم «داعش» حافلة لعناصر أمنية وسط العاصمة، ما يشير إلى أن تداعيات الهزائم التي منيت بها التنظيمات الإرهابية، سيما «داعش»، في كل من سوريا والعراق بدأت ارتداداتها تصل إلى تونس، التي أبدت اهتمامًا خاصًا بمتابعة تطورات العمليات العسكرية ضد تلك التنظيمات ورفعت مستوى التنسيق مع العديد من القوى الدولية المعنية بمواجهتها.
دلالات متعددة:
تطرح العملية الانتحارية التي وقعت في العاصمة التونسية دلالات عديدة يتمثل أبرزها في:
1- سابقة جديدة: يعد قيام إحدى السيدات بتنفيذ العملية سابقة جديدة في العمليات الإرهابية التي تشهدها تونس، على نحو قد يؤشر إما إلى عودة بعض التونسيات من اللاتي كان تنظيم «داعش» قد استطاع استقطابهن في الأعوام الأخيرة إلى تونس من جديد، أو إلى وجود أزمة حقيقية تواجهها التنظيمات الإرهابية تكمن في تراجع قدراتها البشرية نتيجة الهزائم والضربات التي تعرضت لها في المرحلة الماضية.
2- عواقب الاستقطاب السياسي: كان لافتًا أن العملية الأخيرة تزامنت مع تصاعد حدة الخلافات العالقة بين القوى السياسية المختلفة، لا سيما حزب «نداء تونس» و»حركة النهضة»، حيث اتهم الأول الأخيرة بـ»مواصلة محاولاتها وضع يدها على شتى مفاصل الدولة»، على نحو دفع اتجاهات عديدة إلى التحذير من أن استمرار تلك الخلافات قد يؤثر على قدرة الدولة على مواجهة التنظيمات الإرهابية، التي تسعى دائمًا إلى استغلال عدم الاستقرار، على المستويين الأمني والسياسي، لتحقيق أهدافها وتوسيع نطاق نفوذها.
واللافت في هذا السياق، أن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي أشار بدوره إلى العلاقة الطردية بين تصاعد الخلافات السياسية وتزايد النشاط الإرهابي، حيث قال، في 30 من تشرين الأول أكتوبر الماضي وبعد يوم واحد من العملية الأخيرة، أن «المناخ الذي يوفره الصراع الحزبي يساعد في تواجد الإرهاب على الأرض بقوة»، معدا أن «الصراعات السياسية عامل له تأثير سلبي على السلام والأمن والمتربصين دائمًا ما يستغلون هذه الصراعات وما ينتج عنها من ترنح أمني».
3- غياب الخبرة: توحي طريقة الهجوم أن السيدة التي نفذته لا تمتلك الخبرة الكافية للقيام بمثل هذه النوعية من الهجمات الانتحارية، وهو ما يمتد أيضًا إلى العناصر التي قامت بإعداد المتفجرات، على نحو يشير إلى أن التنظيم الإرهابي المسئول عن هذه العملية يسعى في المقام الأول إلى ضم أكبر عدد من العناصر الموالية له على حساب إكسابها القدرات والخبرات المطلوبة لتنفيذ عملياته.
4- عناصر غير معروفة: تشير تقارير عديدة إلى أن السيدة التي قامت بتنفيذ العملية لم تكن معروفة بالنسبة لأجهزة الأمن، خاصة أنه لم تكن لها سوابق تشير إلى انضمامها إلى أى من التنظيمات الإرهابية الموجودة، على نحو دفع اتجاهات عديدة إلى الدعوة لإجراء مراجعة في سياسات الأجهزة الأمنية للتعامل مع تلك النوعية من العمليات الإرهابية.
عوامل مختلفة:
ومن دون شك، فإن تزايد هذه الدعوات في المدة الأخيرة لا يمكن فصله عن المخاوف التي تبديها تلك الاتجاهات إزاء احتمال أن تكون تونس مقبلة على مرحلة جديدة قد تشهد تصاعدًا في حدة العمليات الإرهابية، وهو احتمال يستند إلى مؤشرات عديدة: يتمثل أولها، في المحاولات التي يبذلها تنظيم «داعش» من أجل الوصول إلى مناطق جديدة بعد التراجع الملحوظ في نشاطه داخل المناطق التي سيطر عليها في السابق. وبرغم أنه يسعى في المدة الحالية إلى العودة من جديد لتلك المناطق، على نحو ما يحدث مثلاً في محافظتى دير الزور والرقة، إلا أنه بات يبدي اهتمامًا أكبر بالمناطق الجديدة التي قد يسعى إلى تعزيز نشاطه فيها.
ولا تقتصر تلك المحاولات على تنظيم «داعش»، إذ يبدو أن تنظيم «القاعدة» يتبنى بدوره الهدف ذاته، حيث يسعى إلى توسيع نطاق نشاطه من خلال تفعيل دور «كتيبة عقبة بن نافع»، التي تعد أحد أهم أفرع التنظيم في المنطقة، خاصة فيما يتعلق بتنفيذ هجمات ضد قوات الجيش والشرطة واستهداف الأجانب، وهو ما كشف عنه نجاح قوات الشرطة التونسية في قتل بلال القبى، الذي يعد أحد أهم قادة تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، في 21 يناير 2018، بعد دخوله تونس للترتيب لعودة «القاعدة» مرة أخرى إلى داخل البلاد.
وينصرف ثانيها، إلى انتشار السلفية الجهادية، على نحو يفسر أسباب تحول تونس، خلال الأعوام الماضية، إلى إحدى أهم دول المنطقة التي ينتقل منها المقاتلون للانضمام إلى التنظيمات الإرهابية في كل من سوريا والعراق. وربما يكون ذلك أيضًا دافعًا لتلك التنظيمات للعودة إلى تونس مجددًا في محاولة لاستقطاب مزيد من العناصر المؤيدة لتوجهاتها.
ويتعلق ثالثها، بوجود «خلايا نائمة» التي تصاعد دورها بنحو ملحوظ في المدة الأخيرة، حيث تتبع كل من «داعش» و»القاعدة»، وقد تحولت إلى إحدى الآليات الرئيسة التي تحاول تلك التنظيمات استعمالها لتعزيز قدرتها سواء على تفعيل نشاطها من جديد داخل تونس أو على إقناع بعض العناصر بالانضمام إليها.
وفي النهاية، يمكن القول إنه برغم أن الهجوم الأخير تم بطريقة بدائية، إلى حد ما، إلا أن ذلك لا يقلص من احتمالات أن تشهد تونس موجة جديدة من العمليات الإرهابية، خاصة في ظل الارتدادات المستمرة للهزائم التي منيت بها التنظيمات الإرهابية في كل من سوريا والعراق خلال الفترة الأخيرة.
مركز المستقبل للأبحاث والدراسات