أنما رحمة الله
كانت في حيّنا ثانوية بنات كبيرة، تدلف إليها يومياً مئات الفتيات اللواتي في طور النضج. وحين يدنو وقت انتهاء الدوام الرسمي، كنّا نتجمهر متبعثرين في الطرقات، منتظرين وقت (الحَلْة).
جدار الثانوية الطويل صار سبورة لبعض العبارات التي وضعناها، تعبيراً عن حبّنا لحبيباتنا الطالبات، ولم نضع أسمائهن بالطبع، بل هن عبارات مشفّرة تحمل حروف أسمائهن، وأسماءنا الصريحة، لكي يتعرفنَ علينا، ورغبات وأمان وأبيات شعرية. وكلّما خضَّبت إدارةُ الثانوية الجدارَ بلون، تآمرنا خلسة، وعدنا لنكتب عبارات الغزل في حبيباتنا، بنات الثانوية، عسى أن تقع أعينهن على تلك العبارات، ويدق الحنين أبواب قلوبهن.. وبعد سنوات طوال تُرِكت بناية الثانوية، تحولت بأمر من الدولة إلى مخزن للكتب المنهجية. مرت فصول على جدار البناية، الذي تآكل من جهات مختلفة، وشحب لونه، وصارت عباراتنا الرومانسية القديمة تُرى بصعوبة، ليس بسبب المناخ وحده، ولكن بسبب لوحات سود اكتظ بها الجدار، تحمل أسماءنا.