أنمار رحمة الله
برْداً وفَزعاً
قرر التخلص من الشجرة التي زرعها في حديقته قبل سنوات. حين يأس منها، وكره شكلها الذي لم يكن كشكل باقي الأشجار، هي لا تكبر مع أنه سقاها نهراً من الماء. ورقها مسنن، ولم تحمل ثمراً في يوم.. حين يخرج و يدخل إلى المنزل يشتمها وهي جامدة. حتى الهواء الذي يداعب أغصان الأشجار الاخرى لا يحركها، والعصافير لم تبن فيها عشاً، والبلابل لا تتغازل على أغصانها. اشترى فأساً حادة وهمَّ بضربها. صنع جرحاً بليغاً في جذعها، ثم توسع الجرح مع ضربات الفأس حتى سقطت على الأرض صريعة. قطعها إلى أجزاء لكي يستخدمها حطباً للمدفأة. لم يكن بحاجة إلى نارها، ولكنه اراد الانتقام منها. حين يرى اجزاءها لقمة للهب. كانت النار المشتعلة في الحطب غريبة..! إنها نار بلا دفء !.كلما رمى بجزء كلما زادت برداً!. النار متوهجة بقوة لكنها لا تعطي حرارة .. مدَّ يده إلى النار ،لامسها ،كانت أبرد من جوف ثلاجة. فرغ الحطب كله في المدفأة ، مرتجفاً من البرد بلا جدوى.. في صباح اليوم التالي، لم يذهب إلى العمل كعادته…لقد كان شاحباً بلا حراك، متجمداً على الكرسي منذ الليلة الفائتة.
مدينةُ الأقفال
لم يكن للمفتاح صاحب في مدينة الأقفال. حين كان يسير في شارع ما، تتغشى رعباً منه الإناث، ويحيد عن دربه الذكور. منذ ان رأى النور طفلاً ودخل المدرسة، والأقفال يوصون أولادهم (لا تلعبوا مع المفتاح.. احرصوا على إقفال نفسكم جيداً …لا تدعوه يعبث في مؤخراتكم فيفتح رؤوسكم فتندمون). وحين كَبُر وصارَ مفتاحاً شاباً، لم يشترك في مباراة أو يجلس في مقهى أو يخرج في رحلة مع أحد. كيف يعاشر أقفال المدينة، وهم حين يروه يهربون مفزوعين متحاشين رأسه المدبب، حذرين على مؤخراتهم منه؟!. لقد عاش المفتاح وحيداً طوال عمره، وتأقلم مع كل ما يحيطه من جفاء. وبعد سنوات هَرِم المفتاح وصار أعمى، ولا يسير إلا بمعونة عكّازه. فرح أهل المدينة وهبطت السكينة على قلوبهم. صاروا يصافحوه حين يمشي في الشارع، ويرشدوه إلى طريق العبور، وحين يخافه طفل من الأطفال تهدئه أمه وتقول (لا تخف يا بني…إنه كجدِّك…لا تخف على مؤخرتك منه فهو الآن أعمى).