حين تتراجع قيم السماء على الارض وحين يمعن المجرمون بسفك الدماء ويزداد بطشهم وظلمهم تتجلى الشجاعة بابهى صورها ويظهر الايمان بانصع صفحاته وقد شاء الله ان يجعل لكل طاغية ومستبد ثائرا او مصلحا او محتجا يرفض شريعة الظالمين ويفضح من افسد في الارض ومن يريد اشاعة الرذيلة ويحدثنا التاريخ في فصول متعددة عن الصراع بين خنادق الرحمن وخنادق الشيطان وعن من سال لعابهم للمال ومن نهبوا واستاثروا بالاموال والخيرات من دون وجه حق وفي الوقت نفسه يحدثنا عن الزهاد والمحرومين وانصار الفقراء الذين لم يغتروا بالدنيا وتعلقوا بالسماء وفي مثل هذه الايام العظيمة تستعيد البشرية جميعا واقعة الطف وملحمة كربلاء التي اضاءت بمشاعل النور الطريق امام كل حر وشجاع وشرعت ودونت منهجا وخارطة طريق لن يضل فيها من اراد الحرية وحسم امره بمواجهة الظلم والجبروت وقد شكلت حركة الامام الحسين بن علي الثورية قبل اكثر من الف واربعمائة عام سفرا من النضال قل مثيله ولسنا هنا بصدد ايراد من وصف هذه الملحمة التاريخية واستشرف اهدافها في ذلك الوقت لكن استشهاد الامام الحسين عليه السلام في خاتمة هذا السفر كان هو العنوان الاسمى والابرز لمعاني الايمان والتضحية مثلما كان فناء جسده وصعود روحه الى السماء هو المصداق الحي لكل من شكك بخروج الحسين من ارض الحجاز وتوجهه الى العراق مصطحبا معه عياله ومن ثم انضمام الاحرار اليه من الذين آمنوا بهذه المسيرة الخالدة وايقنوا بإن خندق الحسين هو خندق الحق وان خندق الحاكم والسلطة هو خندق الضلالة ولطالما وقف مؤرخون ومستشرقون عرب واجانب امام المحطات المضيئة لهذه الثورة الانسانية التي ذابت فيها عناوين التحزب وعناوين التمذهب وتجاوزت في اطرها المكان والزمان فكانت بحق صرخة مدوية وصل صداها الى اقصى ركن من اركان الارض ولم يكن الحسين يريد من ورائها الاصلاح فقط بمفهومه السياسي والاجتماعي لكنه اراد التنوير وايقاظ من تعرضوا لسيل من التزييف الاعلامي وانساقوا الى ارادة التشويه والكذب واضاعوا بوصلة الطريق نحو النور والحق وجثم السلاطين على صدورهم حينا من الدهر ولم يتركوا لهم الفرصة في استعادة وعيهم وبهذا يمكن القول ان العاشر من محرم الحرام هو نقطة ضوء وثورة تنوير مايزال شعاعها نافذا من الارض باتجاه السماء ستبقى الابصار اليه شاخصة حتى يرث الله الارض وسيبقى هذا الشعاع دليلا للمتحيرين ونبراسا للمتعلقين بالتغيير والاصلاح والمؤمنين بالعدالة والحرية والثورة ضد الظالمين .
إِنِّي لا أرَى المَوتَ إلا سَعادةً ، وَالحَياةَ مَع الظالمين إِلاَّ بَرَماً.
الامام الحسين بن علي عليه السلام
د. علي شمخي