بسبب اقتراب المرحلة النهائية من المفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين من الجدير تسجيل هنا الابعاد التي سيذهب اليها الجناح اليمني الصهيوني في تعزيز ادعاءاته في كل فلسطين ضد هؤلاء السكان الفلسطينيين الاصليين الذين طردوا كأمة كاملة في عام 1948 لهذه الغاية بالذات.
من المدهش انه استحوذ على تمويل لمشروعه برغم انه لم يذكر ببراعة السبب، او مقدار المال، او الممول، او لمن المشروع، الفضل لصحيفة الديلي تلغراف البريطانية المحافظة المؤيدة للصهيونية. اثارت مقالته اهتمام الصحافة العالمية التي كانت تطلب برد وتعليق انه جزء من القدر الفلسطيني الذي يحتاج فيه المرء دائماً الى اثبات وجوده وتاريخية.
في بادئ الامر تكمن المشكلة الوحيدة في الضوضاء الراهنة التي اثارها بحث وينر الذي استمر ثلاث سنوات في انه لم يتصل بي ابداً بأي طريقة ولم يتكلم معي، مهمة غريبة لرجل يتظاهر بأنه باحث وصحفي، لكنه لم يستعمل اسلوب الباحث ولا اسلوب الصحفي، وحقيقة اخرى بشأن أسلوبه، وهي انه لم يراجع مذكراتي بدقة في كتابي خارج المكان الذي اكملته في ايلول 1998 ليظهر في الشهر التالي (ستظهر منه مقتطفات قريبا في نيويورك ريفيو بوكس وفي الابزورفير وهاربر و غرانتا) .
لقد دونت فيه وقائع حياتي المبكرة التي امضيتها بين القدس والقاهرة ولبنان، واوضحت انني تفاديت اسوأ اضرار النكبة لكوني فرد من الطبقة ذات الامتيازات. لم ازعم انني اصبحت لاجئاً، لكن عائلتي الممتدة كلها من اعمامي واخوالي وعماتي وخالاتي واجدادي وجداتي، كانوا كذلك في الحقيقة في ربيع 1948 لم يبق لي أي قريب في فلسطين، لقد طهرتم عرقياً القوات الصهيونية. لم يذكر وينر ذلك في تعليقه وسمح لنفسه بالادعاء المحتال بأن مذكراتي (بدأت في عام 1994 وانتهت في عام 1999)
ما زاد الامر سوءاً وقوض الدقة الاكاديمية لعرض وينر المتحمس، الاخطاء الكثيرة بحق الواقع، قد وصف بولص سعيد بأنه شقيق والدي، في حينهو ابن عم والدي، وكانت نبيهة زوجة بولص اخت والدي. وينر لا يعرف ذلك لم يدرك ان القوتشان او الطابو نادرا ما يكون كاملا، وان بيت العائلة في المفهوم العربي، هو بيت للعائلة ويعني ان عائلاتنا كانت واحدة في الملكية. كان بولص سعيد ووديع سعيد اولاد عم وشركاء واصدقاء حميمين معاً، ويملكان الشركة الفلسطينية للتعليم، بفرعيها في القدس وحيفا. ضاع كل ذلك ،اضافة الى بيت العائلة في الاحتلال الاسرائيلي عام 1948 يقول وينر اننا لم نحاول المطالبة بتعويضات وبذلك يخفي حقيقتين: ان ابي في الواقع لم يحاول ان يقاضي الحكومة الاسرائيلية من اجل تعويضاته، وثانياً انه في عام 1950 اقرت اسرائيل قانون الملكية الغائب، وحولت كل الملكية الفلسطينية الى ملكية اسرائيلية بنحو غير قانوني طبعاً، لذلك لا عجب ان لم تثمر محاولاتنا.
يقول انني لم أكن طالباً في مدرسة القديس جورج، هذه كذبة مفضوحة، هو لا يعترف ان سجلات المدرسة انتهت في عام 1946 وكنت انا هناك في عام 1947 وان ابي وابن عمه قد كانا في هذه المدرسة في عام 1906 لو كان باحثاً محترماً لسعي الى احد زملائي في الدراسة هيغ بوياجيان (الذي يعيش الان في الولايات المتحدة وبالمصادفة زارني منذ اسبوع) واستاذي في مادة الرياضيات ميشيل مرموره استاذ جامعي متقاعد في جامعة تورنتو، للتأكيد يقول وينر ان امي لبنانية في حين هي في الحقيقة نصف لبنانية، كان والدها فلسطيني لديها جواز سفر فلسطيني وفي عام 1948 اصبحت لاجئة بيت الطالبية، بني لعائلتي في عام 1932 وبناه صعب سماحة، وهنا اخطأ وينر ايضاً. الفروع التجارية في مصر التي للعائلة لم تؤمم، لكنها بيعت لحكومة عبد الناصر، ولم تحرقها الجماهير الثائرة، وانما الاخوان المسلمين وهكذا.
كل هذا من شخص يدعي بأني شوهت الماضي لأتظاهر بأنني ضحية، لا يستطيع ان يفهم ولن يقدر ان يفهم من كتاباتي انني رحلت لأدافع عن كارثة اللاجئين، لأنني لم اعان مثلهم لذلك شعرت بأنني ملزم بأن اريح الام شعبي الاقل حظاً مني حاول وينر كأي بوق دعائي قبله، ان يصور حقيقة طرد الفلسطينيين بأنها قصة ايديولوجية: وهذا موضوع ثابت ودائم للـ(معلومات) الصهيونية منذ ثلاثينيات القرن العشرين. لم تقدم أي مصادر فعلية واستعملت تلميحات فقط.
لم يسم الاشخاص بأسمائهم الذين زعم التحدث معهم في (القارات الاربع) او الوثائق التي رجع اليها، ماهي بالضبط وماذا قالت ومتى. ابن عمي روبرت مثلا، اخبرني حين رفض، اولا ان يتحدث الى وينر، ولأنه غير معروف نسبياً، حاول وينر ان يصنع لنفسه اسماً بمهاجمة سمعة شخص مشهور. لقد تصديت لمثل هذه الهجمات الموجهة ضدي سابقاً وبنجاح، محاولة وينر مفيدة كأسلوب لتشويه المطالب الفلسطينية في العودة والتعويض، وهي القضية المركزية في الطور النهائي من عملية السلام. كما يغطي جدول وينر اللاهوتي عنصرية قانون العودة الاسرائيلي الذي يسمح لليهودي في اماكن من العالم بالهجرة الى اسرائيل من دون ان يسمح بذلك للفلسطينيين، حتى الذين ولدوا فيها. ان كان شخصاً مشهوراً مثل ادوارد سعيد كاذباً، يتابع في جداله فكيف يمكن تصديق هؤلاء الفلاحين الذين يقولون بانهم طردوا من اراضيهم؟ حجة الليكود (حجة وينر) ان الارض تعود الى شعب اسرائيل بما ان الرب اعطاها لهم. لذلك المطالبون الاخرون بحقوقهم مراوغون ومدعون، زائفون كلهم.
لحسن الحظ ان بعض افراد عائلتي ما يزالون احياء وبصحة جيدة. ابن عمي الاكبر، الشخص الاخير الذي رحل من بيتنا في طيبة، في الثمانين من عمره الان، ويعيش في تورنتو. لماذا لم يتصلوا به؟
جين ابن عمتي الاكبر كان يتفاوض مع مارتن بوبر واخذه الى القضاء حين رفض مغادرة البيت بعد ان انتهى عقد ايجاره، وعادت عائلتي من القاهرة بعد سنة من اطلاق سراحه.
ماذا عن جيراننا واقربائنا واصدقائنا واعضاء تجمع الكنيسة؟ لم يتصل بأي منهم. ما يزال عدداً من اولاد القس الذي عمدني احياء ايضاً: كان بإمكانه الاتصال بهم. كلا: ان ما يريده التعليق، وليس الحقيقة، بل الكذبة الصهيونية الكبرى.
السخرية انه منذ اسابيع قليلة خصصت صحيفة اميركية صفحتها الاولى لمراجعة التاريخ الاسرائيلي في الكتب المدرسية، الفضل في ذلك يعود لجهود المؤرخين الإسرائيليين الجدد وللفلسطينيين طبعاً، وهذا بداية للاعتراف بأحداث عام 1948 كما حدثت فعليًا، بالتطهير العرقي وتدمير القرى والمذابح الخ، التي ظلت مرفوضة وغير معترف بها وقتا طويلا. ليس من المدهش كثيراً ان تثبت الصحيفة الاميركية الاسرائيلية انفسهم، واقل صدقاً واقل رغبة للتعامل مع الحقائق، وتميلان اكثر الى الدعاية والتكتيك المشوهان اللذان لا يمكن لهما ان يفهما التاريخ او كيف ان منظورهما المنحرف لا ينتج سوى الافتراء والكذب.
لقد ايدت دائماً اعتراف كل من الشعبين الفلسطيني واليهودي بمعاناة الاخر الماضية. لا يمكنهما التعايش في سلام في المستقبل الا بهذه الطريقة. وينر مهتم اكثر في استغلال الماضي-اما الماضي الفردي او الجماعي- ليمنع الفهم والمصالحة. من المحزن انه لم يستعمل الوقت الطويل والغل الذي استهلكه لأغراض إيجابية.
من كتاب خيانة المثقفين لإدوارد سعيد