شكر حاجم الصالحي
في هذا الكتاب الذي هو في الأصل ( أطروحة الدكتوراه ) للباحثة وداد هاتف وتوت , الذي تتناول فيه أطروحة أدونيس المفكر والشاعر , المختلف عليه والمثير للكثير من الأسئلة بما يقدمه من قراءات مشاكسة ومغايرة للسائد والمألوف الذي توارثناه من معطيات تراثنا الفكري الموغل في القدم , وأدونيس الذي عرفناه وقرأناه منذ ( الثابت والمتحول في بحث الأبداع والأتباع عند العرب ) الذي انجزه كأطروحة دكتوراه عام 1973 , وآثار العديد من ردود الأفعال المعترضة في حينها والتي ما زالت تؤجج الجدل والنقاش بما جاء به من رؤية مناقضة ومعترضة الى وقتنا الراهن , وأدونيس المولود عام 1930 في قرية قصابين السورية هو من أسس مع يوسف الخال مجلة شعر عام 1975 ليتركها ويؤسس مجلة مواقف ذائعة الصيت عام 1963 , ومنذ تلك البواكير والى يومنا هذا ظل أدونيس علامة فارقة في متن ثقافتنا المعاصرة ولم يسلم من سهام المشككين والمؤولين الذين قالوا فيه وفي طروحاته الجريئة ما لم يقله مالك في الخمرة ..
وتسعى الباحثة وداد هاتف وتوت في كتابها هذا للبحث والتنقيب والحفر في ما جاء به أدونيس في كتابه ( الكتاب أمس المكان الان ) الصادر عام 1977 لتناقش منهجه والمرجعيات التي إستند اليها ولتثير من حولها الأسئلة المنتجة بهدف إغنائها وتيسير سبل إيصالها الى قراء العربية ومتابعي الجهد الأدونيسي الثرى باقتراضاته وتوصلاته الكاشفة عن أسس منهجه , يتألف كتاب وتوت من مقدمة وتمهيد رصين ( ص9ــ ص50) وثلاثة فصول هي
الفصل الأول : ويضم العنوانات التالية :
… الخطاب سلطة
… المبحث الأول:
… المحور الاول : الخط الحد والمفهوم
… المحور الثاني : البعد التواصلي
… المحور الثالث : البعد اللساني
المبحث الثاني :
المحور الأول : السلطة : الحد والمفهوم
المحور الثاني : السلطة والخطاب
المحور الثالث : المثقف وخطاب السلطة
أما الفصل الثاني فيتضمن :
آليات مقاربة الخطاب . الاجراءات الخارجية
المبحث الاول : إجراءات المنع
المبحث الثاني : خطاب الجنون
البحث الثالث : إرادة الحقيقة
في حين إحتوى الفصل الثالث على :
المبحث الأول : التعليق
المبحث الثاني : المؤلف
المبحث الثالث : الفرع المعرفي
وأخيراً تفرد الباحثة وتوت ثلاث صفحات لنتائجٌ بحثها وتسع صفحات لمصادر بحثها ومراجعها التي بلغت ( 144) مصدراً ومرجعاً , مما يؤكد بذلها جهداً شاقاً في التوصل لما وصلته من أراء تستحق الثناء على ما بذلته من تمحص وتدقيق ونبش في الأرتقاء بإطروحتها / الكتاب الى مصاف التفرد والإمساك بجمرة اشتغالات أدونيس ومشاكساته المضمرة والمعلنة ,
تقول وداد هاتف وتوت في مفتتح كشفها المهم عن ( الكتاب ) لأدونيس :
عرف أدونيس بشغفة بالتجارب المغايرة , ولذا وجدناه ــ محتفياً بكل خطاب مقصيًّ , وممنوع ومرفوض , من خطاب المُجان , الى حطاب المتهمين بالالحاد , الى خطاب المتصوفة , والان بعد ان استنفد القول في خطاب هؤلاء جميعاً , وظل ملاحقاً تجاربهم في خفاياها وما كتم منها , ليتعرف على الوجه الآخر للأنسان وللأبداع , الوجه الذي يسكن الظل طوعاً أو كرهاً .. وتضيف الباحثة وتوت :
هل وجد أدونيس ضالته في النص القرآني ليندهش بالكيفية التي جاء بها , ومن امكانيته لخلق اللغة ؟ هذا الخلق الذي ظل هاجساً يسكن رؤيا أدونيس الى الشعر والى الأبداع ….
وسيتضح للقارئ الذي تتوفرله فرصة قراءة ( إشكالية الخطاب العربي في ( الكتاب ) لأدونيس ) ان جهد الباحثة المجتهدة كشف بمهارة عن أفاق تجربة أدونيس في ( الكتاب أمس المكان الان ) ومنح القارئ متعة وفائدة في تقصي أطروحات المؤلف والباحثة معاً , ورصد كل تفاصيل اشتغالها على ما أنجزه أدونيس مفكراً ورائياً بجدارة المنجز المدّون وبتفوهاته اللفظية واطروحاته النظرية التي تشير الى ثراء معرفي نادر يستمد مقومات إصالته من تراث متراكم يراه بعين الناقد الفاحص والمحب ……….
ولاشك ان هذه الدراسة القيمة التي اتخذت من المنجز لأدونيس ( الكتاب أمس المكان الآن ) ميداناً لمثابرة نقدية جادة واشتغال مواظب يسعى باجتهاد الى تفكيك الاشكاليات الكبيرة التي يعاني منها الفكر العربي قديمة وحديثة اذ تشير الباحثة الى هذه الاشكالية بالقول : تتمثل هذه الاشكالية بتداخل المجالات المعرفية ــ الديني , والسياسي , والأدبي , والفكري , وهيمنة بعضها على بعض , لقد طبعت هذه الاشكالية التاريخ العربي / الاسلامي بطابع عنفي , دموي , اقصائي وما زالت , من هنا تأتي أهمية مناقشة الجزئيات التي تعاضدت , فشكّل منها كل ما هو مهول في تأريخنا , ولا يمكن التغاضي عنها ومقاربتها على استحياء , وهذا ما يقوم به الشاعر / الناقد / المفكر أدونيس . وهو (( صاحب فكرة وصاحب نظرة الى الحياة والعالم , أثارهما الواضحة في نشره لدى معالجته لشتى القضايا )) كما يشير د. عادل ظاهر في كتابه الشعر والوجود / دراسة فلسفية في شعر أدونيس الصادر عن المدى عام 2000 م . وتستغرق الباحثة وداد هاتف في ملاحقة جهد أدونيس المتحقق في { الكتاب أمس المكان الآن } فتناقش بمهارة لافتة للنظر عنوان الكتاب ومرجعيات العنونة لكي تمنح القارئ فرصة الامتلاء المعرفي بكل حيثيات الكتاب ومضمونه الجريء اذ تقول :
ان عنوان الكتاب , هو نتيجة تضافر مدلولات ( الكتاب ) الدينية ــ القرآن , والدنيوية / كتاب سيبويه وكتاب ملارميه / الحلم , من دون ان نغفل الجانب الخاص بأدونيس الشاعرة والمفكر والقارئ الفريد , المتمثل لتراثه فكراً وشعراً وتأريخياً , وهو ينوء بهذا التراث , لما فيه من أهوال وكوارث يتصدى ( الكتاب ) للخوض فيها , متجاوزاً المحرم والممنوع والمسكوت عنه , ليقدّم كل ما يعرف علناً ,وما يعرفه هو عين الحقيقة التي أحيطت بالمحرمات ….
… ولابد في ختام هذه القراءة المتعسفة لهذا المنجز الكبير الذي قرأناه بمتعة منتجة أضافت إلينا الكثير مما قدمته من غنىً معرفي وزاد ثقافي نعتز به تستحق عليه مبدعته الدكتورة وداد هاتف وتوت باذخ الثناء , لابد أن نقول :
ان [ اشكالية الخطاب العربي في ( الكتاب ) لأدونيس ]
كتاب أحرّص على قراءته والأستفادة من توصلاته واستنتاجاته المعرفية التي نحن بأمس الحاجة الى الأستزادة بإشراقاتها التي بددت وستبدد كل ما في عقولنا من تراكمات معتمة ومظللة … وأخيراً أعتذر عن كل ما أرتكبته من جور في انتقاء ما استطعت في هذه المساحة الضيقة المتاحة … وأدعو ــ أساتذتنا النقاد ــ الى قراءة هذا المنجز الجميل وابداء ما يستحق فيه وعنه , وفي ذلك ما يوسع من دائرة انتشاره النافع المفيد ……..