هشام المدفعي
اعتادت الصباح الجديد ، انطلاقاً من مبادئ أخلاقيات المهنة أن تولي اهتماماً كبيرًا لرموز العراق ورواده في مجالات المعرفة والفكر والإبداع ، وممن أسهم في إغناء مسيرة العراق من خلال المنجز الوطني الذي ترك بصماته عبر سفر التاريخ ، لتكون شاهداً على حجم العطاء الثري والانتمائية العراقية .
واستعرضنا في أعداد سابقة العديد من الكتب والمذكرات التي تناولت شتى صنوف المعرفة والتخصص وفي مجالات متنوعة ، بهدف أن نسهم في إيصال ما تحمله من أفكار ورؤى ، نعتقد أن فيها الكثير مما يمكن أن يحقق إضافات في إغناء المسيرة الإنمائية للتجربة العراقية الجديدة .
وبناءً على ذلك تبدأ الصباح الجديد بنشر فصول من كتاب المهندس المعماري الرائد هشام المدفعي ، تقديرًا واعتزازًا بهذا الجهد التوثيقي والعلمي في مجال الفن المعماري ، والذي شكل إضافة مهمة في مجال الهندسة العمرانية والبنائية وما يحيط بهما في تأريخ العراق .
الكتاب يقع في (670) صفحة من القطع الكبير، صدر حديثاً عن مطابع دار الأديب في عمان-الأردن، وموثق بعشرات الصور التأريخية.
الحلقة 66
فشل العملية السياسية
وأخيرا وبضغوط كبيرة من اطراف عدة ، أجبر المالكي على التنازل عن رغبته في تشكيل الحكومة واعتمد الدكتور حيدر العبادي بذلك ، وباحتفال صغير في القصر الجمهوري .. أدى العبادي أمام رئيس الجمهورية «القسم القانوني « بحضور قيادات الكتل السياسية عدا إياد علاوي . كتبت الصحافة البريطانية لتعرفنا بحيدر العبادي . شاب درس في جامعات بريطانيا ، قُتل أخوه من قبل سلطات صدام بسبب انتمائه لحزب الدعوه ، بقى في بريطانيا يعمل لمده نحو 35 سنة حصل خلالها على شهادة الدكتوراه في اختصاص الاتصالات .
تفألنا جميعا لهذا التغيير ، لكن بقى في بالنا سؤال واحد ، هل سيغير حيدر العبادي السياسة الحالية أم سيبقى على نفس سياسه المالكي وحزب الدعوه؟ شكل الحكومة الجديدة بنفس روحية المحاصصة والطائفية وأنتماأت الوزراء الى كتل البرلمان. بقينا في شكوك من امكانيه حدوث أي تغيير. استمرت الاوضاع غير واضحة … استمر الترقب … ولم يحدث شيء حتى باشرت اسعار النفط بالانخفاض في نفس الوقت الذي يرغب حيدر العبادي وضع موازنة 2015. اعتمد خبراء جدد من الكفاأت العالية للمساعدة في وضع السياسات ، مثل د. مظهرمحمد صالح و د. مهدي العلاق وهو رئيس الجهاز المركزي للإحصاء .
من الاصلاحات الي ادخلها العبادي في أهدافه هي تكوين مجلس إعمار للنهوض بإعمار البلد . استبشرت شخصيا بهذا القرار ومن هذا الإتجاه. إلا أن استمرار انخفاض اسعار النفط من نحو 110 دولار للبرميل الواحد في منتصف 2014 تدريجيا وخلال عدة أشهر الى زهاء 30 – 40 دولاراً / للبرميل ، هذا أمر محرج ومحير جدا ، في اعتماد موازنة تهدف الى إعمار العراق و تغطي جميع النفقات . العراق يمر بصعوبات محاربة «داعش» وهي ماتسمى بالدولة الاسلامية في العراق وبلاد الشام ، ويهدف الى تغطيه نفقات مشاريع التنمية ومتطلبات أكثر من 3 ملايين لاجئ عراقي من المحافظات الشمالية ، ينتشرون في خيام وسكن موقت في محافظات أربيل ودهوك وصلاح الدين والانبار .
في منتصف 2015 تأكد للمخططين الماليين ان خزينة الدولة خاوية وان حكومة المالكي السابقة قد انفقت اكثر مما يتوتعه اي مسؤول . ظهرت الآن مشكلة رئيسية عن كيفية توفير الموارد المالية الشهرية لتسديد جميع رواتب موظفي الدولة البالغ عددهم زهاء (4) ملايين موظف و القوات المسلحة.
في نفس الوقت وبازدياد درجات الحرارة في شهر آب 2015 الى درجات لم تسجل منذ (30 ) سنة بموجب سجلات الأنواء الجوية في ارتفاعها ومدد بقائها . لم يحدث ان بقيت درجات الحرارة مرتفعة نهارا اكثر من 50 درجة مئوية لمده اكثر من اسبوع . وبارتفاع درجات الرطوبة في الجو في منطقة البصرة ادرك البصريون عدم تنفيذ وعود «عودة الكهرباء « و تحرك شباب البصرة بالتظاهر ، لمحاسبة المسؤولين في وزارة الكهرباء عن وعودهم السابقة بأن مشكلة توليد الكهرباء وتوزيعها ستنتهي . و وعد وأكد للشعب د. حسين الشهرستاني نائب رئيس الوزراء للطاقة ان العراق سيصدر الكهرباء في 2014 .
موجة الحر الشديد هذا الصيف في آب 2015 أثرت بشكل كبير على العراق بصورة عامة والمنطقة الوسطى بشكل خاص . سكان البصرة يدعون ان حرارة الجو سجلت (56) درجة مئوية في بعض الأيام ، إلا أن الشيء الرسمي هو ان الحكومة العراقية أعلنت عطلة رسمية لمدة 4 أيام في منتصف الشهر بسبب تجاوز درجة الحرارة (50) درجة مئوية واستنادا الى القاعدة المتعارف عليها عالميا . هذا الارتفاع في درجات الحرارة وانقطاع الكهرباء كثيرا عن المدن العراقية ، حفز الشعب العراقي على مطالبة الحكومة بحقوقه من الخدمات كالكهرباء والماء . ومن اول تموز 2015 بدأ الشباب في المحافظات الجنوبية وبغداد جميعا يطالبون بالحقوق الموعودين بها . وبدأت التظاهرات تتوسع في الشوارع مطالبة بحقوق الشعب .
من موقعي كمهندس ، عشت وعملت كثيرا على توفير هذه الخدمات واشعر باهميتها للمواطنين ، سبق وان نبهت سابقا في كل المناسبات عن شحة الخدمات وترديها وحاجة المواطنين لهذه الخدمات الأساسية ، لكن مع الأسف لم يفهم السياسيون ان اندفاعهم يجب ان يتركز وينصب اكثر ، على توفير الخدمات كالماء والكهرباء وجمع النفايات وتوفير الخدمات البلدية ، لاعلى التمتع بالامتيازات العاليه وإهمال حقوق المواطن .
اشتدت التظاهرات في شوارع المدن العراقية وتنبه المواطنون ان المسؤولين والوزراء منهم لم يحققوا لحد الان ما وعدوا به من توفير الخدمات الضرورية كالكهرباء والماء . بازدياد الحرارة يحتاج الانسان الى الماء وهذا غير متوفر في الكثير من الأحيان مع الأسف كما في البصرة والمحمودية ومناطق اخرى . بدأ الشباب العاطلون عن العمل يطالبون بفرص العمل وعمال معامل وزارة الصناعة شبه المتوقفة بسبب سياسات الدولة وغير المدفوعة اجورهم ، يطالبون بتسديد اجورهم وخرج عمال السكك وأغلقوا بالقاطرات طرق تقاطعات السكك في بغداد .
يتضح ان ارتفاع درجات الحرارة في العراق هذه السنة وما رافقها من شحة في الخدمات الاخرى وفقدانها في الكثير من الحالات ، قد ذكرالشعب العراقي بالوعود الكاذبة التي التزم بها وتبناها المالكي والساسة العراقيون سابقا خلال الثماني سنوات الماضية حول تحسين الخدمات وتوفير الأحسن . وذكّر العراقيين بدرجة التخلف الكبيرة التي عاشوها خلال السنوات الماضية ويعيشونها حاليا . وذكر العراقيين بالموازنات الكبيرة التي تم تخصيصها سابقا لتحسين الخدمات والتي لم ينتج عنها إلا تردي الخدمات .
اندلعت التظاهرات وأدرك الفرد العراقي مقدار التخلف الذي يعيشه ، والوعود الكاذبة التي اطلقتها الحكومة الحالية خلال لسنوات الماضية ، وبسبب الشحة الشديدة من واردات النفط ، تذكر الفرد العراقي ما ذكرته الحكومة سابقا من ضخامة واردات الدولة خلال السنوات الماضية وبدأ يتساءل عن جهات الصرف وأين ذهبت أموال الشعب.
كيف تُسرق أموال الشعب
من هذه الأحداث التي عبر بها الشعب العراقي عن مشاعرة ومتطلباته ، لم يستطع بعض المخلصين من العراقيين ممن واكبوا مسيرة الاحداث وتصرفات بعض الافراد من الكتل السياسية ، إلا أن يفشوا سرا مهما يكشف طرق واساليب تصرفات الكتل السياسية في سرقة أموال الدولة . ذلك بأن تكون الكتلة السياسية لجنة اقتصادية من واجبها جباية مبالغ من المقاولين العاملين مع الدولة على شكل نسب مئوية من كلفة المشروع لصالح الكتلة ، لقاء مساعدتهم في مسيرة المشروع . تباينت النسب من صغيرة الى كبيرة جدا أحيانا حسب المشروع وحسب الوزارة . فمشاريع النفط ذات المبالغ بالملايين لها حظوة كبيرة لدى كتلة حزبية معينة ومشاريع النقل لا يمكن ان تخرج من يد كتلة اخرى . كما كشف وزير التخطيط عن وجود نحو ستة آلاف مشروع لها تخصيصات ولكنها وهمية . ومن هذة المعادلة تكشفت الطرق التي استحوذت فيها الكتل السياسية على مبالغ جسيمة من الدولة وبنت لكتلها صروحاً كبيرة وارصدة مالية .
كما كشفت التظاهرات والاحتجاجات التي قام بها الشعب وكذلك بعض المخلصين من السياسيين ، عن استحواذ بعض اعضاء الكتل السياسية على أملاك الدولة واملاك بعض رجالات الحكم السابق من قصور وأراضٍ وفلل لقاء مبالغ رمزية ، مما أجبر رئيس الوزراء على تكوين لجان لمتابعة هذة التصرفات غير القانونية والتي يطالب الشعب باستعادتها .
لماذا لم يُتفق على تكوين مجلس الإعمار
وان عمل بعض النواب من المهندسين في البرلمان على طرح فكرة « تكوين مجلس الاعمار» لإعمار الخدمات والمشاريع الكبرى التي يحتاجها المجتمع كما هي سياسة ومناهج رئيس الوزراء ، إلا ان معارضة الكتل الكبيرة افشلت هذه المحاولات . وعند إدراكي لما تعمل عليه الكتل الكبيرة في كيفية الحصول على الاموال عن طريق لجانها الاقتصادية التي تجبي نسباً غير قليلة من مشاريع وزارة النفط ووزارة النقل ووزارات الخدمات ، اتضح لي ان فكرة تكوين مجلس الاعمار هي ليست في صالح اللجان الاقتصادية لأي من الكتل السياسية ، لأن ذلك سيحجب عنها إمكانية سلب الكثير من الاموال غير الشرعية لكتلها . ومن هذا افشلت الكتل السياسية فكرة تكوين مجلس الاعمار.
ومن أين لكم هذه الاموال؟
عبر عن هذه االسرقات بشكل واضح نائب رئيس الوزراء « السيد بهاء الاعرجي» على الشبكات التلفزيونية واعيد بثها للعديد من المرات وقال « من أين كل هذه الاموال ؟ « و « أن جميع الكتل السياسية جمعت الاموال التي لديها من جباية مشاريع الحكومة ، بالحصول على نسب لصالحها عن طريق وزرائها ومن مشاريع وزاراتهم ، وبالتالي أثرت كثيرا « . وهذا واضح من الاملاك التي لديها حاليا والتي تكونت فقط بعد وصولها الى العراق سنة 2003 . وقال ان جميع الكتل السياسية التي حكمت العراق لم تكن لديها قبل 2003 أملاك أو اموال تساعدها على دفع اجارات مقراتها ، وهذا ما يجمع عليه أيضا العديد من الجهات المجتمعية والسياسية . لا عجب ان تمسكت الكتل السياسية بالوزارات لوزرائها . فوزارة النقل لكتلة المجلس الأعلى ووزارة النفط للشهرستاني والوزارات الخدمية للصدريين .
يالها من طريقة حكم ان تسمح لوزرائها بسرقة اموال الشعب من املاك الشعب . وبالتالي لا استغرب من التظاهرات في شوارع المدن العراقية ولا غرابة من عدم وجود الخدمات ولا غرابة من رفض فكرة تكوين مجلس الاعمار لبناء العراق.
تزايد الاحتجاجات والتظاهرات
أدرك الشعب العراقي بأن ما كشفت عنه أزمة الكهرباء حاليا من تردٍ وتخلف كبيرين في الخدمات ، بأن وعود الساسة السابقين كانت كاذبة وأن تصرف الساسة وكتلهم السياسية باموال الشعب تصرف غير مسؤول ، وسرقة لاموال الشعب من قبلهم أو من هم بمعيتهم ، وادرك الشعب بضرورة التغيير وبدأ يدرك ان الكتل السياسية الحاكمة ومجلس الوزراء والرئاسات غير مخلصين بوعودهم ومن الضروي « ابعادهم ومحاسبتهم ومحاكمتهم « , ويطالب باخراج السراق ومن بعثر اموال الشعب العراقي وعلى راسهم المالكي رئيس الوزراء السابق ..
خرج الفلاحون متظاهرين كذلك في المحافظات المنتجة للحبوب مطالبين بحقوقهم ومستحقات ما انتجوه من حبوب ومحاصيل حقلية ومطالبين بدعم لايقاف المنتجات لزراعية المستوردة رخيصة الكلفة التي منعتهم من الانتاج ، كما رفع المواطنون كل يوم جمعة من الاسابيع الثلاث الماضية ، الشعارات الحادة معبرين عن عدم قبول الحكومة بعد الآن . ومن شعارات المواطنين في التظاهرات الأخيرة :
• لا للمفسدين … لا للحرامية …..
• وباسم الدين باكونة الحرامية
• وطالب المتظاهرون بمحاكمة الأعرجي نائب رئيس الوزراء
• كما طالب مجلس النواب باستضافة وزير الكهرباء لمحاسبته ،
• واستمر المتظاهرون بالهتافات طالبين محاسبة المحافظين ومجالس المحافظات
• واستمرت الهتافات … باسم الدين باكونة الحرامية ، ورفعت صور السياسيين الفاسدين ومنهم معظم المسؤولين الكبار
• أين الكهرباء … أين الخدمات …
من هذه التظاهرات على مدى اسبوعين وهياج الشعب وازدياد المطالبات بالتغيير ، أدرك حيدر العبادي أهمية هذه التظاهرات واهمية مطالب المتظاهرين وأدرك ضرورة اتخاذ إجراء بشكل سريع . أصدر حيدر العبادي قرارا بالغاء درجات عليا بالدولة ومنها الغاء نواب رئيس الجمهورية الثلاثة ، المالكي وعلاوي والنجبفي ، كما اصدر قراراً بالغاء درجات نواب رئيس الوزراء ، المطلك والأعرجي .
أيدت المرجعية الدينية في النجف الأشرف محاربة فساد السياسيين ومسؤوليتهم عن ما آلت اليه حالات التدهور في الخدمات ، واستمرت التظاهرات في الاسبوع الثالث مطالبة بالاصلاح . أصدرت اللجنة المشكلة للتحقيق باسباب سقوط الموصل قرارها بالاغلبية وحددت اسماء 32 اسماً من المسؤولين عن سقوط الموصل من عسكريين ومدنيين وعلى رأسهم المالكي القائد العام للقوات المسلحة السابق . وافق مجلس النواب فوراًعلى تقريراللجنة واحاله الى القضاء محققا مطالب معظم ابناء الشعب . لم يرفع المتظاهرون شعارات تخص أي كتلة سياسية بل كل المتظاهرين رفعوا «علم العراق» كشعار رئيس لهم مما يبين ان العراقيين يرفضون بشدة كل ما دعا اليه السياسيون من الطائفية والمحاصصه واشارات التقسيم .
وكأجراء تقشفي آخر ولتقليص نفقات موازنة الدولة الخاوية ، اصدر العبادي قرارا بالغاء اربع وزارات ودمج ثماني وزارات اخرى والغاء المخصصات الاضافية عن الدرجات العليا من الدولة وتقليص الحمايات بنسبة 90% ( لا ادري لماذا يحتاج مسؤول بالدولة او رئيس كتلة دينية – رجل دين – الى حمايات تقدر ب 900 عسكري من الجيش) . كما اصدر رئيس الوزراء قرارا بالتحقيق واعادة ما استملكه السياسيون السابقون خلال السنوات الماضية من أراضٍ و قصور عائدة للدوله . يالها من سرقات مكشوفة أحلها لأنفسهم السياسيون الذين قدموا مع الجيش الامريكي ونصبوا أنفسهم بقوة السلاح لحكم العراق .
لم يقتنع الشعب بالحلول الترقيعية هذه من قبل رئيس الوزراء ، وخرجت مرة اخرى التظاهرات عصر الجمعة 21 آب في جميع انحاء المحافظات العراقية مطالبة بحدة غير اعتيادية ومنذرين بان المتظاهرين يطلبون بعجالة محاكمة السراق من الحكام كرئيس الوزراء السابق المالكي والأعرجي وبيان جبر ومدحت المحمود والعديد من مجموعاتهم من قادة حزب الدعوة والسياسيين الفاسدين من الكتل الاخرى وهم المسؤولون عن التدهور العام ، ومنذرين بامهال الدولة اسبوعاً آخر لاتخاذ الاجراءات اللازمة لتحقيق ذلك وبخلافه يدخل المتظاهرون الى المنطقة الخضراء في الاسبوع القادم .
أدرك جميع العراقيين كما بين رئيس الكتلة النيابية «علي الأديب» في الاجتماع الذي عقد في معهد الدكتور مهدي الحافظ « معهد التقدم للدراسات الاستراتيجية» بتأريخ 8/8/2015 ، بأن العملية السياسية التي ادخلها الأمريكان والسياسيون العراقيون قد فشلت . يالها من حقيقة مذهلة اكتشفها الشعب وكلفت العراق أثنتي عشرة سنة . صاح العراق جميعا عصر يوم 21 آب 2015 بأن العملية السياسية فاشلة وطالب بمحاكمة السراق والفاسدين . هذا ما كنت اتوقعهُ من سياسيين ليست لهم علاقة لا بالسياسة ولا بالإعمار إلا انهم دخلوا العراق منتقمين ومنتفعين وليسوا مصلحين . لاادري ما سيحدث في الاسابيع القادمة من أحداث ولكن مهما كان من أمر ، صاح الشعب العراقي بأعلى صوته بفشل الحكم.
من كل هذه المطالبات والهتافات ، أود أن أبين بأني لا آمل بإمكانية اصلاح الخدمات المتردية في المدن العراقية بالشكل والسرعة التي يطالب بها المتظاهرون ، لاسباب عديدة لا يدركها غير الخبراء وهي ان انشاء شبكات جديدة يتطلب إنجازها أوقاتاً طويلة والبعض من الشبكات الحالية كالماء والكهرباء والمجاري قديمة ومتهرئة تتطلب جهوداً كبيرة لصيانتها واصلاحها على مستوى البلد في الوقت الذي تشكو موازنة العراق من عجز بسبب تردي اسعار النفط وحاجة الموازنة الى تسديد متطلبات محاربة العدو الأول داعش وتسديد متطلبات الملايين المهجرة من العراقيين . من هذا فإني اتوقع ان يخرج المتظاهرون بعد سنتين أو أكثر مطالبين مرة اخرى بتحقيق الوعود التي سبق ان وعدوا بها …. وبالتالي ستكون لردود الفعل انفجارات كبيرة .
رغم كل ما يجري الآن من وجود قوى احكمت قبضتها على الحكم ، وسيطرة كتلها السياسية على المجتمعات من ناحية ، لكن من الناحية الاخرى أرى بوضوح العديد العديد من الشباب المندفع في المدن العراقية راغبا التغيير ، وبغض النظر عن اية كتلة ينتمون اليها حاليا ، فإني ارى الشعب العراقي ينتفض على كتله وينتفض على الظلم الذي يعيش فية ويتطلع الى مستقبل أحسن وافضل ويتطلع الى عراق متفتح ومتطور حيث الحرية ونبذ الطائفية ونبذ المحاصصة وبناء مجتمعات أفضل والكل يحمل شعار واحد ، هو « العلم العراقي « ، ولا شعار غيره . من كل هذا ارى من واجبنا ان نعمل جادين على وضع اللبنات الاولى «لبناء عراق جديد « عراق المستقبل ، يوفر العمل لكل يد عاملة ويوفر المجتمع المتضامن السعيد في كل جزء من العراق . هناك الكثير من المقومات بين قوميات البلد ، التي تدعم بناء عراق جديد ، منها وحدة الفكر والرغبة في التجديد ومنها توفر « القوى البشرية « الراغبة في الاصلاح والتجديد ومنها توفر « الأرض « و « الانهر» و «الصحراء» حيث الموارد والثروات الاقتصادية الهائلة متمثلة بامكانات التطور الزراعي والحيواني والصناعات التحويلية جميعها لتكون ثروة احتياطيه للموارد النفطية.
تنهي هذه الاحداث فصول مذكراتي ، وأنا سعيد بأني قد أديت واجبي تجاه بلدي ، وسأبقى مراقبا لما يحدث لعراقنا الجديد الذي عملت أجيال على تكوينه منذ عشرينات القرن العشرين ، وافتخر ان اكون واحدا منهم وأحببت العراق وتفانيت لأجله .
شكرا لهذا الجيل الذي ودعنا البعض منه وهاجرنا البعض الآخر. لا أجد من اقراني الا القليل ، لكن أنا سعيد ان عملت طيلة هذه السنوات في بناء العراق ، بلد الحضارات الذي يستحق أن نتفانى من اجله واعتبر نفسي من الذين استمروا في بناء سلسلة الحضارات التي باشر فيها السومريون.
لا أقول وداعا يا عراق … اني متفائل وأقول بأني واثق من ان هناك الكثير من العراقيين المخلصين الذين سينهضون قريبا ، ويعملون على بناء العراق الجديد الذي عاهدنا أنفسنا وعملنا على بنائه ، والذي وعدنا أولادنا على تكوينه ووعدنا من غادرنا في ان نحافظ عليه .
ستكون هناك مجالات عديدة في إعمار العراق ، وسيتكون مجلس لإعمار العراق لأن ذلك هو الطريق السليم الذي يحقق توفير الخدمات لطبقات الشعب المحتاجة ويحدّث ما تضرر منها ، وستعترف الكتل السياسية والاقتصادية وغيرهم ، في ان إعمار العراق وتطويره واللحاق بالبلدان المتطورة يجب ان لا يكون في يد السياسيين ، بل على السياسيين ان يضمنوا الاجواء الآمنة والمناسبة لنشاطات الإعمار الى أصحاب الاختصاص والخبر من العراقيين ، تساعدهم الخبر العالمية المتخصصة لتحقيق احلام العراقيين وازالة التخلف الذي تركته السنون المظلمة ، وسأبقى بانتظار العراق الجديد .