آمرلي وحديثه والضلوعية وأبطال الفرقة الذهبية، وغير القليل من الفصائل العسكرية والشعبية المقاومة لجحافل الردة الهمجية، يدونون اليوم سطوراً من الشجاعة والايثار، ستبقى وشماً خالداً في جبهة هذا الوطن القديم. من جوف العتمة والردة الحضارية والسياسية والمعنوية التي تعيشها شعوب وقبائل وملل هذه الجغرافيات المنكوبة بفايروس العصابات الدينية العابرة للحدود الوطنية، تتوهج هذه الجزر بصمودها ووحدتها وشجاعتها في مواجهة مغول العصر الحديث (داعش والمتجحفلون معها من دغل الفلول) ليسطروا مأثرة تليق بالارض التي اهدت سلالات بني آدم بواكير التشريعات عن الحرية (آمارجي).
في زمن المحنة تنبري القوى الحية عند الامم والشعوب للدفاع عن أوطانها وارثها الانساني المشرق، ومع مثل هذه التحديات المصيرية يعاد رسم ملامح الاوطان ويعاد التوازن لهرم المعايير المقلوب الذي اتاح لحثالات البشر من تبوأ سنام المسؤولية والقرار فيها. لقد مر العراق في العقود الاخيرة من تأريخه الحديث بشروط حياة متخمة بالهزائم الحضارية والسياسية والقيمية، شرعت فيها الابواب كما قال شاعرنا الكبير لكل (زناة الليل) كي يمارسوا ابشع الجرائم والانتهاكات لم يسلم منها لا البشر ولا الحجر، ومما يؤسف له ان هذه التجاوزات والانتهاكات لم تتوقف بعد زوال النظام المباد، بل ولجت الى أطوار أشد بشاعة وفتكاً، لا سيما إن أولي الامر الجدد قد شقوا دروباً للفساد والهوان، مهدت بدورها لاعادة انتاج اطوار الذل والخنوع باشكال مبتكرة. لهذا كله تأتي بقع الضوء هذه (آمرلي وحديثه والضلوعيه و..) لتبدد مناخات الذل والتشرذم والهوان، مستنهضة عزم العراقيين على استرداد هويتهم وإرثهم الانساني العابر للبرك الآسنة.
وهنا ينبغي للحكومة العراقية ان تضع نصب عينيها مهمة دعم وتزويد قلاع الشموخ الوطني هذه بكل مستلزمات الصمود والمواجهة في قتالها البطولي ضد الغزاة الجدد. عليها ان لا تكرر الاخطاء والنهج اللامسؤول في الامعان بتجريب المجرب، واتخاذ القرارات الشجاعة بعزل المسؤولين عن الملف الامني، وتقديمهم الى العدالة بصفتهم مسؤولين عما جرى للملايين من النازحين والضحايا والسبايا وانواع الكوارث التي حلت بسكان المدن والقصبات المنكوبة. عليها اعتماد المعايير والملاكات المنبجسة من رحم هذه المعارك الطاحنة من اجل الوطن والناس، وان لا تهدر مثل هذه الفرص والشروط الاستثنائية، حيث تتهاوى الاقنعة ومساحيق الزيف عن الوجوه الكالحة والاجندات المتنافرة ووحدة البلد ومستقبله. بمثل هذه الروح من المقاومة والصمود يحيا العراق، وتنكمش صلافة المتربصين به من مختلف العقائد والتضاريس في الاستهتار بحقوق سكانه في العيش كباقي الامم التي أكرمتها الاقدار بشرعة الحرية وحقوق الانسان..
جمال جصاني