بغداد -وداد إبراهيم:
حين تجتاز جامع الخلفاء في شارع الجمهورية وتدخل الى زقاق ضيق سيأخذك الى سوق يتميز بأتساعه وقلة الحركة فيه، محال واسعة تشبه ما يسمى العلوة سقوفها عالية جداً، وفيها ممرات تهوية، بنيت بشكل صحي يسمح لدخول الهواء والشمس، هذا السوق يسميه كثيرون باسم الشورجة، في حين ان تسميته الدقيقة، سوق التمن.
فأسم الشورجة يطلق على الكثير من مجمعات البيع والتي تبيع شتى البضائع وفي كل مكان، لكن هذا السوق يحمل اسم سوق التمن حتى وان لم يكن فيه أي كيس للتمن.
التاجر ابو محمد قال: سوق التمن في بغداد يعد من أقدم الاسواق اذ اختص ببيع أفضل انواع التمن في الشرق الأوسط الا وهو التمن الذي يزرعه الفلاح العراقي في مدن ومناطق عدة من مناطق العراق مثل المشخاب وغماس والديوانية والشامية وهو العنبر الذي يعد من أفضل انواع الرز في العالم لأنه خفيف وفيه رائحة زكية وله طعم طيب.
وأضاف أبو محمد: حتى الان يحمل السوق الاسم ذاته على الرغم من اختفاء هذا المنتج العراقي منه الا ما ندر وقد يدخل السوق شخص يحمل كيساً من العنبر لبيعه او قد يكون هناك محل واحد يبيع هذا المنتج، وبشكل قليل، بعد ان كانت المحلات تختص ببيعه وعلى طول العام حتى السبعينيات حين تدخلت الحكومة واحتكرت هي بيعه. فتراجع دور التاجر في شرائه وبيعه، لكن المحال الكبيرة هنا حتى الان تتعامل بقوائم تحمل اسم سوق التمن وان كانت تتعامل مع مواد أخرى مثلا الكرزات او البقوليات او مواد غذائية أخرى مستوردة.
التاجر فارس حجي حسين داخل قال: تأسس هذا السوق منذ تأسيس الأسواق في بغداد وهو داخل منطقة سكنية تحيطها الجوامع والكنائس اذ يمتد من شارع الجمهورية حتى ساحة السباع، وكان من بين ابرز من عمل في هذه التجارة بيت أبو التمن، وفي هذا السوق بالتحديد منذ الأربعينيات من القرن الماضي وكانت له مكانة جيدة، وتوجه له الدعوات لحضور المؤتمرات الاقتصادية خارج العراق، اذ كان التاجر الذي يحمل هوية تجارة بغداد له سمعته ومكانته وحضوره في الاقتصاد العراقي وما يميز هذا السوق انه ليس عبارة عن زقاق واحد او عكد مثل الكثير من الاسواق فهو يتفرع الى عدة ازقة كلها تحمل اسمه، واعتقد انه سيبقى يحمل هذا الاسم حتى وان لم يكن فيه اصغر كيس تمن عنبر للبيع. وقد عمل فيه كبار التجار في العراق مثلا المرحوم فرج صالح وحجي جاسم مبارك وطالب امين هؤلاء غادروا المهنة، ولم يحملها اولادهم، وتحولت محالهم الى مجمعات كبيرة تتعامل بالنايلون او المنتجات الورقية والاكياس او بعض المستحضرات الخاصة بالتجميل، مثل مجمع د.علي فرج صالح وغيرها وقد كني بعض التجار باسم التمن وحتى في مناطقهم يطلق عليهم بيت ابو التمن.
التاجر فجر علي قال: انا في هذه ا لمهنة منذ صغري تعلمتها من والدي اذ كان يعمل على شراء التمن العراقي من الفلاحين في المشخاب والشامية وغماس والديوانية اذ تكون هناك اتفاقية بين الفلاح والتاجر على حجز المحصول الزراعي من تمن العنبر ويتم دفع المبلغ مقدماً وما ان يحين موعد الحصاد حتى يأتي الفلاح بالتمن من دون ان يجري عليه أي عملية تنظيف اوغربلة، من جهة اخرى تجار هذا السوق لديهم أجهزة تنظيف وتعبئة خاصة للتمن اذ كانت التعبئة لكيس بوزن 100 كيلو سعره من 7 الى 10 دنانير ذلك لان العائلة العراقية تستعمل العنبر من دون ان يكون هناك منافس له في السوق.
وأضاف فجر : اما ابرز التجار الذين عملوا في هذا السوق مثلا حجي شتوي وحسين قط وحجي شطب ومجيد سلام وحجي سويدان، عمد بعض التجار الى بناء محال خاصة ومخازن لتتسع لأنواع التمن خلال العام ، مثلا هذا السوق (يشير الى زقاق عريض حيث يقع محله)فيه 34محلاً تعود للتاجر عبد الصاحب جعفر تخصصت في بيع التمن فقط ،حتى عام 1973حين تأسست مصلحة المبيعات الحكومية التي سيطرت على سوق البيع فتراجع بيعه وتقلص حتى اختفى، وبعد ان منع الفلاح من زراعته و تعرضت زراعته لمشكلات نقص المياه، لذا فأننا نستذكره بالرغم من غيابه، بل لا اعتقد ان هذا السوق سيعود لبيعه ابداً الا انه لم يتنازل عن حمل هذا الاسم العريق لمحصول يعد من افضل المحاصيل الزراعية في العراق والعالم.
اما عن ما يبيعه الان فقال: انا الان ابيع الجريش ويأتي به تجار مـن الموصل، وغير ذلك من انواع البقوليات التي تأتي من تركيا.