العتب على ميثاق الشرف..!

قبل أيام من انطلاق الماراثون الانتخابي في دورته الرابعة (12/5/2018) عقد اجتماع لممثلي أغلبية الكتل والجماعات السياسية المشاركة في الانتخابات، وتحت إشراف ممثل الأمين العام للأمم المتحدة؛ للتوقيع على “ميثاق شرف” تضمنت مسودته 24 بنداً وتصدرته الديباجة التي تقول “انطلاقا من حرصنا على توفير أجواء سليمة، تمهد لانتخابات حرة ونزيهة وشفافة، وتأمين مشاركة واسعة لجميع أطياف الشعب العراقي، تعكس نتائجها إرادته وتحظى بقبوله؛ ما يعزز الثقة المتبادلة بين الأطراف العراقية شتى، اتفق ممثلو الائتلافات والأحزاب السياسية الموقعة أدناه على ميثاق الشرف الانتخابي..” هكذا كانت الديباجة وبنود الميثاق لم تقل جمالاً وروعة عنها، إذ دونت لنا أفضل ما صاغته تجارب الأمم التي وصلت الى سن التكليف الحضاري في هذا المجال الحيوي من حياة المجتمعات والدول. هذا على صعيد الحبر والورق الذي احتضن ذلك الميثاق، لكن على صعيد انعكاس ذلك على أرض الواقع، فإن الأمر كان على العكس من ذلك تماماً، فقد تمخض “ميثاق الشرف” فولد لنا فضيحة من العيار الثقيل، إذ تجاوز سقف التزوير والانتهاكات كل ما سبقته من مواسم انتخابية، مما اضطر القضاء العراقي لعزل وإقصاء المفوضية المستقلة العليا للانتخابات عن وظائفها، ليحل مكانها لجنة متشكلة من تسعة قضاة انتدبتهم المحكمة الاتحادية العليا لهذا الدور، مما يشير الى أن ما يفترض أنها تجربة للتحول صوب الديمقراطية، تواجه اليوم مأزقاً خطيراً لم تعرفه من قبل.
من خلال تجربتنا كعراقيين مع مثل هذه المواثيق، يتأكد لنا أن غالبيتها تنتهي بنا الى بلاوي أشد فتكاً من الأحوال التي أمضينا من أجل تجاوزها المواثيق والعهود، عندما تتحول الى وسيلة إضافية من وسائل التضليل والتزييف والخداع، وهذا ما جرى بشكل سافر في السباق الانتخابي الأخير، حيث انتهكت الكتل المتنفذة كل ما تعهدت به وما أمضت عليه من قواعد وبنود تضمنته وثيقة ميثاق الشرف الانتخابي، لتتحول بذلك أفضل وسيلة أوجدها البشر لفك الاشتباكات (الصناديق) من حل الى مشكلة، تأزم وتعقد المشهد المعقد والراكد أصلاً. لقد حاولنا مع الكثير من العراقيين الأحرار، الى فضح أساليب الخداع والتضليل، لا سيما منها التي تتبرقع برداء التغيير والإصلاح من دون امتلاكها لأدنى مقومات ذلك، ودعونا الى الحذر من متسلقي الأمواج والفرص عند مفترق الطرق، والى الفهم المسؤول والشجاع لحقيقة إمكاناتنا المتواضعة في مجال الإصلاح الحقيقي لا الاستعراضي، المهيمن على المشهد الراهن، هذا الوعي لن يقلل ولن ينتقص من شأننا ومكانتنا وسمعتنا بين الأمم، بل بالعكس هو السبيل المجرب والوحيد لانتشال مشحوفنا المشترك من الحضيض الذي انحدر اليه بعد عقود من الدكتاتورية والخنوع وأكثر من 15 عاماً قضيناها برفقة أحد أكثر الطبقات السياسية فشلاً وفسادأ. لذلك ليس من الحكمة والعقل أن نعتب أو نلوم هذه الطبقة وحيتانها وممثليها، فالإناء ينضح بما فيه، وقد تعرفنا جيداً على نوع المواهب والبضائع التي تميز هذه الجماعات والكتل، زمن معارضة النظام المباد وبعد تلقفها لأسلابه ربيع العام 2003. ولم يعد لدينا المزيد من الفرص والوقت والإمكانات لنهدرها في انتظار جيل جديد من الهزائم والخيبات برفقة ابتكاراتهم الفاشوشية وإعادة تدوير اصطفافاتهم على ركام آخر من العهود والوعود المدعومة بمواثيق الشرف…!
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة