سايمون هندرسون*
سيكون صيفاً طويلاً وحاراً في الشرق الأوسط، وسط استمرار الحرب الأهلية في كل من سوريا واليمن، والتوتر على الحدود بين إسرائيل وغزة، وتمديد الاتفاق النووي الإيراني أو إنهائه، وفتح السفارة الاميركية الجديدة في القدس الشهر المقبل، ومن يدري ما سيحمله هذا الفصل أيضاً. قد تكون بعض هذه الاضطرابات ذاتية الصنع، لكنها جميعها تمثّل تحديات للسياسة الاميركية.
كيف ستنجلي كل هذه الأمور؟ توفر «القمة العربية» التي عُقدت مؤخراً في مدينة الظهران السعودية فرصة لتقييم حالة العالم العربي، الذي يضم العديد من الحلفاء الأمريكيين المهمّين، ومعرفة إلى أي مدى يمكن لواشنطن أن تأمل الحصول على مساعدة مع تقدّم فصل الصيف.
إن الاصطفاف لالتقاط صورة القمة الرسمية يوضح كل شيء. فقد كان هناك 23 شخصاً يمثلون 21 دولة عضو في «الجامعة العربية»، التي تضمّ عادة 22 دولة لكن عضوية سوريا معلقة. (شملت هذه الحصيلة رئيس «جامعة الدول العربية»، ومن جهة أخرى، نجل الملك سلمان، ولي العهد محمد بن سلمان). أما اللباس، فكان عبارة إما عن بزة رسمية أو الزي الوطني. وقد اختارت سبع شخصيات فقط الثوب (العربي التقليدي) أو ما يعادله، وجميعها من الممالك أو المشيخات باستثناء الرئيس عمر البشير، الضابط السابق في الجيش السوداني الذي يواجه اتهامات من قبل «المحكمة الجنائية الدولية» بتهمة ارتكاب جرائم حرب. أما الباقون، فكانوا يرتدون بدلات على النمط الغربي، من بينهم العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني.
أما الجانب المثير الآخر لهذه الصورة، فهو أن العديد من أعضائها من كبار السن. وبدا العاهل السعودي البالغ من العمر 82 عاماً منحنياً. واختار كل من المغرب وسلطنة عُمان والإمارات إرسال بدلاء عن رؤساء البلاد، حيث عزوا جميعهم السبب إلى مشاكل صحية.
لقد مضى الآن أكثر من سبع سنوات على الأحداث التي أصبحت تُعرف باسم «الربيع العربي». وقد تبدد الأمل ببروز شرق أوسط مختلف وأفضل بعض الشيء منذ فترة طويلة. ومن اللافت للنظر أن الأنظمة الملكية كانت أكثر قدرة على تحمل الضغوط والتوترات الناجمة عن هذه الانتفاضات من الجمهوريات. لكن كل من يأمل في «الديمقراطية» و»الحرية» يبدو الآن ساذجاً.
وتمثل سوريا وليبيا واليمن أمثلة قاسية على الإخفاقات. فالمشيخات الإقطاعية التقليدية التي تملك حتى الآن آليات قديمة العهد على ما يبدو لحل التوترات صمدت وازدهرت. وبالطبع، فإن وجود قوات أمنية وفية وفعالة قد ساعد هو الآخر. كما أن الدول التي تتمتع بعائدات نفطية كبيرة كانت بحال أفضل من غيرها، ولكن ليس دائماً كما يُظهر مثال ليبيا.
وما يمكن أن يثير السخط بشأن المخاوف الرسمية للعالم العربي هو أنه يجب على القادة مناقشة التهديد الذي تطرحه إيران بموضوعية، لكنهم لم يحققوا اتفاقهم في الظهران إلا من خلال تكديس الحقد تجاه الولايات المتحدة. وشكلت القضية الفلسطينية «الأولوية الرئيسية للأمة العربية بأكملها» ومُنِحت المكانة الأولى في البيان الختامي لما لقّب بـ»قمة القدس». فقد عدّ قرار الولايات المتحدة القاضي بالاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل «غير قانوني» ورأى المجتمعون أن «المأزق الحالي» ناتج عن «تعنّت المواقف الإسرائيلية».
لكن برغم كل شيء، أدانت «الجامعة العربية» إيران أكثر من الولايات المتحدة وإسرائيل، مستخدمةً عبارات مثل «ميليشيات الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران» و»التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للدول العربية» و»نطالب إيران بسحب ميليشياتها وعناصرها المسلحة من كافة الدول العربية، لا سيما سوريا واليمن». وعلى صعيد المقاطع التي تعدد ذنوب وخطايا طهران، احتلت إيران المرتبة الأولى في هذه المنزلة المشينة.
إذاً كيف يمكن لواشنطن توجيه مخاوف العالم العربي دعماً لسياسة الولايات المتحدة وليس ضدها، وفي الوقت نفسه التخفيف من أثر التطورات غير المتوقعة وغير المفيدة؟ تتمثل الإجابة المختصرة في تجاهل – أو بالأحرى، الاستمرار في تجاهل – البيانات الصادرة عن «الجامعة العربية»، وهي مؤسسة تُعرف بتعثّرها بدلاً من إحرازها تقدّم. أما الإجابة الأطول بعض الشيء فهي أن المواقف العلنية، برغم عدم وجوب تجاهلها، يمكن أن تكون مختلفة جداً عن وجهات النظر الخاصة.
وربما يتمثل الملخص السريع عن قمة الظهران في أن تركيزها على القدس ربما كان تصحيحاً لمسار من جانب العاهل السعودي للانطباع الذي تركه محمد بن سلمان، خلفه المعيّن، خلال زيارته إلى الولايات المتحدة الشهر الماضي حيث خرقت تصريحاته التي قال فيها أن للإسرائيليين الحق في العيش «على أرضهم» بنود الاتفاق العربي.
لكن حكماً أكثر تبصراً قد يفيد بأن القمة قد اقتصرت على تعزيز القيادة السعودية للعالم العربي، حيث يكمن توجه السياسة السعودية في مواجهة إيران. وربما يكون تسليط الضوء على القضية الفلسطينية ومسألة القدس مجرد تمويه. ففي النهاية، بدأت المملكة الشهر الماضي بالسماح لطائرات شركة «إير إنديا» المتوجهة إلى تل أبيب باستعمال مجالها الجوي. فهل سيستغرق الأمر وقتاً طويلاً قبل أن تمنح الإذن ذاته لشركة الطيران الإسرائيلية «إل عال» أو في الأقل المشاركة بالرمز مع شركة الخطوط الجوية؟ – [المشاركة بالرمز هي عبارة عن ترتيب تجاري في مجال الطيران تشارك فيه شركتان أو أكثر الرحلة نفسها.]
وللمرة الثانية، ترتبط اعتبارات مستقبل الشرق الأوسط بالدور الذي يلعبه محمد بن سلمان، الملك السعودي المنتظر. لقد أصبح التباطؤ المحبط بقمم «الجامعة العربية» سمة دائمة للعالم العربي، جاعلاً استعداده للتغيير رمزياً. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، إلى أي مدى سيكون محمد بن سلمان مستعداً للوقوف مكتوف الأيدي وتحييد مكانته الجسدية والرمزية [كما حدث] في الظهران؟
*سايمون هندرسون زميل «بيكر» ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.