ما طرحه رئيس الوزراء حيدر العبادي عن افضلية الحكم القائم على معيار «الاكثرية التوافقية» تمييزا عن الدعوة الى حكم «الاغلبية السياسية» اثار ردود افعال سياسية ومتعجلة وانفعالية تتصل بالدعاية الانتخابية المبكرة، والمماحكاة، اكثر من صلتها بالبحث عن خيارات جدية لشكل الحكم المنشود، والآمن، والرشيد، والاكثر انسجاما مع متطلبات نزع التوترات والبناء والاستقرار بعد انتخابات 2018 القادمة، وثمة القليل من المعلقين اشاروا الى الانموذج «التوافقي» لممثلي الاكثرية البرلمانية الذي طبقه العبادي على فريقه الحكومي في العامين الاخيرين، وإن كان غير متكامل، ولم يحظ إلا بقبول فاتر من قوى المحاصصة التي تتمسك بامتيازات «الاستحقاق» لبرلمان 2010 السائر الى نهاية فترته الدستورية.
من حيث اللغة، لا فرق بين الاكثرية السياسية والاغلبية السياسية، اخذا بالاعتبار بان العديد من مصطلحات السياسة لا يتبين معناها إلا من خلال التطبيق، وقد نصل في هذا التطبيق الى استعمال مفردات في معنى يختلف عما هو في القواميس والمحددات الاكاديمية، والحال فان الحاجة مستمرة لتسليط الضوء على دلالات المصطلح السياسي المتداول، وموضع التجاذب، في يوميات الحكم للسنوات الاثني عشر الماضيات، بل ودلالاته في السلوك السياسي والحزبي والاداري للزعماء الذين امسكوا بسلطة القرار لهذه السنوات، بين مَن يتطلع الى وأد خيار المشاركة وإحكام القبضة على السلطة ودسّ النوازع الفردية «الدكتاتورية» في ممارساتها، ومَن يبحث عن شكل آخر للمشاركة يضمن توافقا (لا محاصصة) على القضايا المصيرية، وقبل هذا، على شكل وهوية الحكم ضمن تأويلات الدستور واحكامه.
وقبل الاستطراد في قراءة أبعاد التوافقية الجديدة لرئيس الوزراء علينا ان نذكر بان اساءات كثيرة لحقت بمفهوم وخيار التوافق السياسي في تجربة الحكم لما بعد 2003 حيث انتهى الى شكل مقيت وكارثي وبشع من المحاصصة لجهة توزيع المناصب والامتيازات والثروات على فائزين بالانتخابات، حال الفائزين بحروب الجاهلية.
اقول، ان مفهوم التوافقية الديمقراطية جرى تشويهه، عن قصد أو عن جهل، ليصبح عنوانا لفساد الحكم فيما هو في علوم السياسية وصفة مؤقتة وضرورية في مجتمعات «تتسم بالانقسام والتباين العرقي والجهوي، وضعف الوحدة الوطنية، وصعوبة الاستقرار السياسي وتواتر موجات العنف الاجتماعي» بعيدا عن مبدأ «الأغلبية الحاكمة والأقلية المعارضة» التي كرست في التجربة العراقية بطلان الحالة الطائفية، وهي في مفهومها الجديد لا تلغي أسلوب الانتخاب والتنافس والتداول على السلطة، وقد اضاف العبادي لذلك، ان لا تعتمد الاقصاء والتهميش، في حين يشترط خيار حكم الاغلبية السياسية كما تورد منصوات علم السياسة «قيام أحزاب قوية وتكتلات نيابة راسخة في المجتمع والتاريخ وتمتلك برامج واضحة تشكل أساساً للعلاقة مع المواطنين».
التوافقية الديمقراطية الجديدة للعبادي بحاجة الى جدل ومناقشة في فضاء صحي ومسؤول، إذْ تشكل اختراقا لعقل المحاصصة، في وجيز الكلام.
من مستطرف العلوي:
«قيل لحسن البصري: من هم شر الناس؟ قال: الذي يرى انه خيرهم»
عبدالمنعم الأعسم
العبادي و«التوافقية» الجديدة
التعليقات مغلقة