في مرحلة ما بعد داعش:
متابعة الصباح الجديد:
ما إن سكتت البنادق وأعلنت الحكومة العراقية استعادة مدينة الموصل من سيطرة “داعش”، حتى هرع الشباب إلى تنفيذ نشاطات تطوعية، لكنهم اليوم يقدمون على خطوة جريئة أخرى، نحو اقتحام معترك العمل السياسي.
تحت أشجار الكاليبتوس في غابات الموصل، اجتمع أكثر من (150) شابا، وعلى غير العادة لم تكن تلك نزهة او حفل ما، بل ملتقى سياسي نظمه وشارك فيه شبان موصليون من مختلف الانتماءات.
على منصة المتحدثين تناوب بضعة شباب متأنقين يرتدون بدلات رسمية وربطات عنق جميلة، لإلقاء الخطب على جمهور ليس بينهم رؤوس بشعر ابيض، الكلمة الارتجالية ألقاها شاب بالكاد دخل عامه الثلاثين، وهو الذي اثار جدلا واسعا في الشهرين الماضيين.
الشاب يدعى د. علي اغوان أستاذ العلاقات الدولية في جامعة بيان بمدينة أربيل، وقد قدم نفسه مرشحا لمنصب محافظ نينوى عندما خلا المنصب مؤقتا.
يقول اغوان وهو يقطع المنصة جيئة وذهابا ليضمن انتباه الحاضرين، ان الفرصة باتت مناسبة لتولي الشباب مناصب سياسية في الموصل، بعد التجربة الناجحة التي قدمها الشباب على مستوى العمل التطوعي بعد تحرير المدينة من تنظيم “داعش”، وجهود إعادة الحياة اليها بعدما وقفت الحكومة عاجزة في مناسبات كثيرة منذ استعادة السيطرة على الموصل.
ثمة دوافع أخرى موضوعية تتمثل بالثورة على الفشل الذريع لأصحاب القرار في المحافظة والحكومة المركزية في معالجة الكارثة التي تواجهها المدينة بسبب الدمار الكبير الذي خلفته الحرب على “داعش”.
وهناك عوامل أخرى، تتعلق بالوضع الأمني، فالمحاذير الأمنية التي كانت أثناء وجود التنظيمات المسلحة المتطرفة لاسيما تنظيم “داعش” لم تعد موجودة، وباتت هناك مساحة من الحرية لعقد الاجتماعات والمؤتمرات والتحرك من دون الخوف من أعمال عنف والاغتيال.
هذه المبررات ساقها اغوان لتفسير سبب الاندفاع الكبير للشباب تجاه صناديق الاقتراع.
الانتخابات البرلمانية من المقرر إجراؤها في 12 أيار (مايو) 2018، بينما أعلنت المفوضية العليا للانتخابات في العراق تسجيل (143) أحزاب سياسية لخوض الانتخابات، فيما بلغت التحالفات الانتخابية (27) تحالفا حسبما أعلن عضو مجلس المفوضين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، معتمد نعمة.
وسط هذا الرقم الكبير من الأحزاب التي خيّم عدد منها على المشهد السياسي في العراق بعد 2003، واحتكر المناصب السياسية والإدارية المهمة في الدولة، يبدو اجتماع الشبان الموصليين خطوة أولى على طريق الألف ميل.
عمر السالم (31 عاما) أطلق مبادرة اجتماع الشباب المتحمسين للعمل السياسي الذي حمل اسم (ملتقى شباب نينوى السياسي).
“بعدما وجدتُ ان ثمة توجهات عدة لدى الشباب نحو الانخراط في الانتخابات أو التشجيع على المشاركة فيها، اقترحت عقد الملتقى عبر موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، ولاقت الفكرة تفاعلا فتم تنفيذها”، يقول.
وسيكون لدينا ميثاق شرف أخلاقي يتم توقيعه من قبل الشباب المرشحين الذين سنقوم بدعمهم في الانتخابات المقبلة.
هناك محاولات لجمع الشباب في قائمة واحدة، وفي المستقبل نفكر أن نحوّل الملتقى إلى تكتل سياسي مدني، بعد أربع سنوات، وان يصبح لدى الشباب لوبي ومنبر قوي يعبر عن طموحاتهم باعتبارهم قوة مؤثرة برزت على الساحة باندفاع كبير بعد تحرير الموصل.
فهد اليوسف ناشط مدني واحد الشباب الذين يخططون للترشح في الانتخابات، تحدث بصراحة شديدة، “لا نحتاج الى شعارات كتلك التي يكررها السياسيون، وقد أصبحت بضاعة مستهلكة تطرح في الحملات الانتخابية، نريد خطوات عملية إذا أردنا أن نأتي بالتغيير”.
“إن اجتماعنا يعد خطوة مهمة، فنحن نتحمل مسؤولية ما جرى في محافظة نينوى، ومن الرائع أننا انتقلنا من مجرد الكتابة على فيسبوك وانتقاد الوضع السياسي والإداري، إلى تحقيق هذا الملتقى الذي هو خطوة عملية، لأنه يعبر عن رغبة حقيقية لدى الكثير من الشباب لإحداث التغيير في المحافظة”.
وختم اليوسف: “دعونا نتفق على الأهداف وان اختلفنا في وسائل تحقيقها”.
انطلاق الماراثون الانتخابي سيثير غبارا كثيفا بأقدام الفيلة التي تتصدر سباق العملية السياسية منذ عام 2003، ما يجعل الوصول الى خط النهاية مهمة عصيبة على الشباب الذين هم الآن الطرف الأضعف والأقل خبرة، لكن يبدو أن علي وعمر وفهد ورفاقهم يدركون الظروف المحيطة وفرص نجاحهم. “نحن الآن ضعفاء، لا نمتلك التمويل والخبرة، لكن من لا يقف معنا الآن لن نحتاج إليه فيما بعد، عندما نصبح أقوياء”، قال عمر مخاطبا جمهور الشباب.
الأطراف السياسية البارزة في نينوى حاليا هي الحزب الإسلامي ومشتقاته وتكتل النجيفي (نائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي وشقيقه اثيل المحافظ السابق) وتكتل وزير الدفاع السابق خالد العبيدي والحزبان الكرديان (الديمقراطي الكردستاني والاتحادي الكردستاني)، وغيرها، ومن المتوقع ان يندس المرشحون الشباب في هذه التكتلات، وربما سيكون بعضهم من مخرجات (ملتقى شباب نينوى السياسي).
عندما انتهت اعمال الملتقى وقبل ان ينفضّ الجميع، اجتمع عمر ورفاقه ليس فقط لالتقاط صورة جماعية لتوثيق هذه اللحظة التي عدّها البعض مصيرية بالنسبة للشباب، وإنما أيضا من اجل التبرع طوعا بمبالغ بسيطة من المشاركين لتسديد نفقات الملتقى.
*عن موقع نقاش