لوسي ماركوس
المؤسسة والرئيسة التنفيذية لشركة ماركوس فينشر للاستشارات المحدودة
لا أحد يريد مناقشة السياسة. فعندما ألقي كلمة تتناول السياسة أو تمسها كتاباتي، كثيرا ما يُطلَب مني أن أتجنب الموضوع تماما وأن أركز فقط على زاوية الأعمال. ونظرا لتركيبة تتألف من الحرمان من القدرة على إحداث أي تأثير، والإحباط، والإجهاد الذي يستشعره كثيرون بفِعل الأخبار عموما، فربما يكون هذا الطلب مفهوما، ولكن من المستحيل أيضا الموافقة عليه.
في عالَم حيث يمر الأسبوع وكأنه شهر، يُصبِح من الصعب سبر أغوار حالة عدم الاستقرار التي أحدثها دونالد ترامب في الولايات المتحدة والعالَم. ففي غضون عام واحد فقط منذ تولى رئاسة الولايات المتحدة، سَخَر ترامب بطريقة طفولية من زعماء العالم، ونشر على موقع تويتر، على سبيل المثال، مشاركة يقول فيها «إن زره النووي أكبر وأقوى كثيرا من نظيره لدى زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون». كما تحدى تحالفات قائمة منذ أمد بعيد، بما في ذلك منظمة حلف شمال الأطلسي، وعمل على تفكيك قواعد تنظيمية بالغة الأهمية، وانسحب من اتفاقيات دولية.
وتتوالى الضربات. ففي الأسبوع الماضي، أقدم ترامب بكل فظاظة على إهانة مواطني هايتي، والسلفادور، والدول الأفريقية، وأعرب عن أسفه، كما أوردت التقارير، عن اضطرار الولايات المتحدة إلى قبول المهاجرين من هذه «الدول القذرة». لا ينبغي لنا أن نندهش إذن عندما نعلم أن معدلات قبول ترامب شعبيا هي الأضعف بين كل الرؤساء عند هذه المرحلة من ولايته، على الرغم من النمو الاقتصادي القوي، وارتفاع سوق البورصة إلى عنان السماء، وانخفاض معدل البطالة.
ولم تكن السياسة الأميركية فقط هي التي أصبحت أشبه بالقدر المحتوم. فقد تسبب التصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي في يونيو/حزيران 2016 في إلقاء المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى دوامة محيرة، الأمر الذي اضطر الشركات إلى تخمين ما قد يحدث لاحقا ــ وفي العديد من الحالات، حفزها على تحويل عملياتها إلى دول أخرى.
من ناحية أخرى، كانت الأنظمة الاستبدادية في ارتفاع، من تركيا التي كانت ذات يوم منارة الديمقراطية للعالَم الإسلامي، إلى بولندا التي كانت يوما ما محبوبة أوروبا بعد الشيوعية. ونجح الرئيس الصيني شي جين بينج في ترسيخ نفسه بوصفه الزعيم الأكثر قوة منذ ماو تسي تونج، وشن حملة صارمة على أي مظهر من مظاهر المعارضة. وغرس الرئيس الروسي فلاديمير بوتن أصابعه في عدد متزايد من الفطائر الجيوسياسية ــ بما في ذلك الولايات المتحدة كما تشير أدلة متزايدة القوة.
إذا كنا تعلمنا أي شيء في العام المنصرم، فهو أن عالَم السياسة وعالَم الأعمال مترابطان بشدة. فالأعمال تساهم بصورة مباشر في تشكيل السياسة، حيث تصب الصناعات الأموال صبا في الحملات الانتخابية في محاولة لتعزيز مصالحها الخاصة، وبشكل غير مباشر، من خلال الإبداعات التي تدفع حدود القواعد التنظيمية.
على نحو مماثل، تخلف التطورات السياسية تأثيرا كبيرا على الأعمال. فلا يستطيع المرء أن يقيم الأسواق المالية دون أن يضع في الاعتبار المخاطر السياسية والسياسات النقدية، أو يقيم استراتيجية التجزئة دون تقدير ثقة المستهلكين، التي تتأثر بالبيئة السياسية. (بعد الانتخابات العامة التي عقدتها المملكة المتحدة في الصيف الماضي، هبطت ثقة المستهلك إلى أدنى مستوياتها منذ الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي). وتشكل سياسات الهجرة أهمية جوهرية لأداء أسواق العمل. وتُعَد استراتيجيات الاستثمار العام، وخاصة عندما يتعلق الأمر بترقية وتحديث البنية الأساسية، جزءا لا يتجزأ من الكيفية التي تخطط بها الشركات لاستثماراتها. والقائمة تطول.
ولأن كل قرار تتخذه حكوماتنا يؤثر بنحو مباشر وقابل للقياس على أعمالنا وحياتنا كمستهلكين، فمن غير المنطقي ولا المعقول أن ندافع عن الاعتقاد بأننا قادرون على تجنب السياسة ببساطة، وأن الأخبار السيئة أو القيادة غير المسؤولة قد تمر مرور الكرام. الواقع أن الخيار الحقيقي الوحيد يتلخص في القيام بالعكس: إذ يتعين علينا أن نعمل على اكتساب فهم أفضل للقضايا المهمة، وكثير منها معقد ومترابط. كما يتعين علينا أن تكون أكثر ثباتا ومثابرة في محاولة تشكيل النتائج السياسية، وأكثر حزما في ضمان عدم إرباك الأعمال التجارية بالسياسات الرديئة.
والأمر يعود إلينا جميعا ــ ليس فقط المنظرين الاستراتيجيين في الشركات والمشرعين، بل وأيضا المواطنين والمستهلكين ــ لتعميق فهمنا للروابط والعلاقات بين الأعمال والسياسة. وبهذا فقط يُصبِح بوسعنا أن نضمن استناد المناقشات والقرارات المتعلقة بالسياسات إلى الحقائق، وأننا مجهزون بنحو جيد للحكم على أولئك الذين يتخذون القرارات، ومشاركتهم، ومساءلتهم في نهاية المطاف. والبديل هو التخلي عن قدرتنا على الدفاع عن مصالحنا.
كانت الحوكمة الرديئة للشركات، كما زعمت، من أكبر المخاطر التي واجهت الأعمال في عام 2017. وعلى أكثر من نحو، يظل هذا يشكل مصدرا كبيرا للقلق. ولكنه الآن تفاقم بفِعل حالة شديدة من عدم اليقين السياسي.
وسوف تشكل كيفية استجابة الشركات لهذه المخاطر كل مستقبلنا. ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال نجد إغراء الاستفادة من حملة إزالة القيود التنظيمية التي تقودها إدارة ترامب في مجالات تشمل الحفر والتنقيب عن النفط، وحماية المستهلك، والهجرة، والسياسة التجارية، والضمانات البيئية. ولكن ما قد يبدو وكأنه نعمة للشركات والأعمال في الأمد القريب ربما يُفضي إلى إحداث أضرار طويلة الأجل ولا يمكن إصلاحها في الأمد البعيد، ولن يسلم من العواقب أي قطاع أو مستثمر أو مستهلك.
والمسؤولية تقع على عاتق الجميع ــ من أعضاء مجالس الإدارة والمسهمين إلى الموظفين والمستهلكين ــ لإرغام شركات الأعمال على النظر إلى ما هو أبعد من الأرباح القصيرة الأجل وتحمل مسؤولياتها المؤسسية الأوسع. ونحن لا نملك ترف التراخي والأمل في الأفضل ببساطة.
ولكي تبلغ أصواتنا مسامع الجميع، ينبغي لنا أن نستلهم من جهود حديثة لتحفيز التغيير. فبفضل حملة مي تو (#MeToo) دَفَع كثيرون من مرتكبي جرائم الاعتداء الجنسي الثمن. وكان ربيع المسهمين بمنزلة تصعيد لجهود التدقيق من قِبَل المستثمرين في حزم المكافآت التي يحصل عليها المسؤولون التنفيذيون. وجرى تسليط الضوء على حالات ظروف العمل الجائرة والفساد الواسع النطاق، مما أدى إلى تغيير حقيقي في بعض المناطق غير المتوقعة (مثل الفيفا).
لن يحل تجاهل السياسة مشكلاتنا، بل ربما يكون الحل في المشاركة البنّاءة.
لنتحدث عن السياسة
التعليقات مغلقة