ما حدث في شبكة الاعلام العراقية خلال عامين، اقل ما يقال عنه، انه فوضى بالالوان الطبيعية، بكلّ ما في تلك الالوان من غثاثة ومرارات وخذلانات واهراق ماء وجوه، وظهر ذلك للعيان في ما نُشر من شائعات مشينة، وتشهير شخصي، وطعون بالفساد والسلوك، ومعطيات عن تزوير وثائق، وتكوين بطانات وحبربشية، وتحالفات خنادق كيدية، وتعيينات كيفية برائحة غير طيبة، وصفقات على قاعدة (إسكتْ عليّ/ أسكتْ عليك) برعاية كما يبدو، او بتدخل، من مراجع حزبية نافذة، وكل ذلك جرى ويجري بعيدا عن المدونات والسياقات والاعراف المهنية والعلنية والشفافية، وانكارا للالتزامات الدستورية ذات الصلة.
ولا نسجل سبقا في الاكتشاف حين نقول بان هذا الوضع انعكس سلبا على اداء الشبكة بمختلف خدماتها التلفزيونية والاذاعية واصداراتها ومطبوعاتها عدا عن مضامين خدماتها التي بدت متضاربة، واحيانا هزيلة، على الرغم مما تستند اليه من ميزانية مالية هائلة اثقلت وتثقل كاهل الدولة، وما تضمه من كوادر وعاملين واداريين لا تحتاج في الواقع إلا الى اقل من ربع عددهم، طبقا لبحوث وتقصيات ميدانية، الامر الذي عطّل رسالتها الدستورية كوسيلة تعبير متوازن عن الحقيقة الوطنية، وتجلياتها، وثقافاتها وعقائدها واراداتها، بل وجعل منها العوبة بيد خيار فئوي واحد، وبالتالي عبئا على الدولة، وعامل إرباك للعلاقات بين القطاعات السياسية والاجتماعية بالنظر لاضطراب وضعف الكفاءة القيادية وغياب التخطيط والمنهج والرؤى.
والحال، فان خمسة اشخاص توالوا على رئاسة الشبكة في غضون حوالي سنتين، هم محمد عبدالجبار الشبوط، محمد راضي ريكان، علي الشلاه، مجاهد ابو الهيل، واخيرا جرى تعيين فضل فرج الله رئيسا جديدا للشبكة، وسط ذهول الوسط الاعلامي والثقافي والسياسي لهذه الفوضى، والتغييرات الكيفية غير المسؤولة، في مرفق خطير (يُفترض انه يدير اعلام الدولة) ينبغي ان يُخضع لمحددات مهنية وادارية صارمة، وتدبّرٍ في اصطفاء ادارته، ضمانا لتركيز خدمته الوطنية المتوازنة، حيث أُبعد كل واحد منهم من منصبه مسبوقا بعاصفة من الانتقادات ومساخر الصراع اللامبدأية، وفي كل مرة «يُطبخ» قرار الإبعاد (أو التعيين) في اجواء انقلابية تسقيطية، وداخل غرف مظلمة، والنتيجة يتفاجأ المتابعون بـرئيس جديد للشبكة من نفس الجماعة المتصارعة الانقلابية، من دون التحسب لما يلحق باعلام الدولة وسمعتها من اساءات واضرار.
وفي كل مرة يتعزز اليقين بان علاج الاعتلال والعجز والفوضى التي تضرب الشبكة يتمثل في حل هياكل الشبكة المحاصصية البغيضة واعادة بنائها بقيادة مجلس وطني للاعلام من شخصيات اكاديمية ومهنية مستقلة تضع خططا لاصلاح الشبكة وتحسين ادائها واستعادة سمعتها وثقة الجمهور بخدمتها.
انها صلاحية رئيس الوزراء الدستورية.
لقمان الحكيم:
«يأتي على الناس زمان لا تـُقرّ فيه عينُ حليم».
عبدالمنعم الأعسم