(1 ـ 2)
ديفيد ماكوفسكي
بعد الإعلان مؤخراً عن محادثات الصلح بين «فتح» و«حماس» بوساطة مصرية، انضمّت إدارة ترامب إلى القافلة عبر تكرار إلتزامها بما يسمى «مبادئ اللجنة الرباعية» لعام 2006. وكما صيغت من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا، أشارت المبادئ إلى أنه لا يمكن قبول «حماس» كفاعل دولي شرعي إلى حين قبولها بالاتفاقات الماضية وإحجامها عن أعمال العنف وقبولها بحق إسرائيل في الوجود. وفي تصريحات علنية نادرة، دعا مبعوث البيت الأبيض إلى المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية، جيسون غرينبلات، أي حكومة وحدة فلسطينية جديدة إلى الالتزام بهذه المبادئ «بشكل واضح وصريح لا يحمل اللبس». فقد صرّح في 19 تشرين الأول/أكتوبر قائلاً «إذا كانت «حماس» لتضطلع بأي دور في حكومة فلسطينية، فعليها قبول هذه المتطلبات الأساسية»، مضيفاً أن كافة الأطراف وافقت على فكرة منح «السلطة الفلسطينية» السيطرة الأمنية والمدنية «الكاملة والحقيقية والخالية من أي عوائق» على قطاع غزة. وأشار إلى أنه من الضروري أن «نعمل معاً لتحسين الوضع الإنساني للفلسطينيين الذين يعيشون هناك».
وسيكون دور الولايات المتحدة – المشابه لذلك الذي تبنته الحكومة الإسرائيلية – الأكثر صلة إذا رغب رئيس «السلطة الفلسطينية» محمود عباس وحركة «حماس» فعلياً بإنشاء حكومة ائتلاف. ولكن هذا الاحتمال يبدو مستبعداً، ويُعزى ذلك جزئياً إلى أن عباس يدرك الخطوط الحمراء الأمريكية والإسرائيلية فيما يخص «حماس» ولذلك سعى إلى تشكيل حكومة تكنوقراط. وحتى إذا حصل ذلك، هناك سيناريوهات أخرى تستحق أن تؤخذ بعين الاعتبار، لا سيما إذا كانت واشنطن تنظر في إصدار بيان رسمي بشأن محاولة تحقيق مصالحة فلسطينية.
السيناريو 1: عباس يريد أن يتولى الحكم، «حماس» تريد استنساخ نموذج «حزب الله». في هذا السيناريو، يسعى عباس إلى إحكام قبضته على غزة لترميم إرثه، الذي يشمل حالياً خسارة غزة في عام 2007 وتولي رئاسة نظام سياسي منقسم على مدى سنوات. ومن شأن البقاء على الحياد أيضاً تعزيز احتمال منح عدوه اللدود محمد دحلان دوراً أكبر في غزة. وقد تأمل الجهة الراعية النافذة لدحلان، الإمارات العربية المتحدة، تعزيز دوره الضئيل حتى الآن، في وقت تنشغل فيه إحدى الجهات الداعمة لحركة «حماس»، قطر، في صدام دبلوماسي كبير في الخليج.
وقد يعزّز هذا السيناريو أيضاً اعتقاد عباس بأن حجب 100 مليون شيكل من أصل 400 مليون شيكل في ميزانية «السلطة الفلسطينية» لدعم غزة في وقت سابق من هذا العام قد جعل «حماس» تخضع بشكل أكبر لمطالب «السلطة الفلسطينية». وبالتالي، حتى إن لم تُظهر الحركة أي مؤشر على حل الميليشيا التابعة لها، فإن أي ضغوط اقتصادية مستقبلية من جانب «السلطة الفلسطينية» قد يكون لها أثر مُحبّذ.
بالإضافة إلى ذلك، سيؤكد هذا السيناريو تنازلاً من نوع ما في أوساط قادة «حماس» – أي الإدراك بأن حُكم غزة كان خسارة على الصعيد السياسي بالنسبة لهم. فقد كانوا يفضلون اتباع نموذج «حزب الله» لتحميل «السلطة الفلسطينية» مهمة القيام بالعمل الشاق المتمثل بحكم غزة التي تعاني من الفقر المدقع في الوقت الذي يتنصلون فيه من المسؤولية ويحتفظون بالسلطة الفعلية على الأرض من خلال الميليشيا التابعة لهم. وتستند نتيجة كهذه على وجهة النظر القائلة بأن مركز الجاذبية السياسية للحركة قد انتقل من خالد مشعل في قطر إلى الثلاثي المقيم في غزة المؤلف من يحيى السنوار وإسماعيل هنية ومروان عيسي، الذين بفضل موقعهم يفهمون معاناة الشعب أكثر من مشعل المقيم في الخارج والذي لم يعد يرأس الحركة. (تجدر الملاحظة أن القائد الوحيد من غير سكان غزة فيما يسمى «قادة «حماس» الأربعة» هو صالح العاروري المقيم في بيروت والذي تعتبره إسرائيل صلة الوصل الرئيسية بين الحركة وإيران والخلايا الإرهابية في الضفة الغربية).
وإذا كانت «حماس» تدرك في الواقع أنه عليها الخروج من ميدان الحكم، فسيفقد البيان الأمريكي حول جهود المصالحة الفلسطينية الكثير من زخمه. أي أنه إذا لم يكن هناك خطر من تشكيل «السلطة الفلسطينية» حكومة مع «حماس»، فإن إعادة التأكيد على الرفض السابق لشرعية الحركة قد لا يؤثر على أي مفاوضات فلسطينية داخلية.
السيناريو 2: لا يأخذ أي من الطرفين الأمور على محمل الجد. على غرار جهود المصالحة السابقة، ستبوء هذه المحاولة بالفشل إذا لم يكن عباس أو «حماس» جادين حيالها. وبموجب هذا السيناريو، يعتبر عباس غزة بمثابة رمال متحركة – أي وضع لن يقدم له سوى القليل من الفوائد والكثير من المتاعب. ووفقاً لهذا التفكير، لن يتمكن عباس قط من السيطرة على غزة طالما تحافظ حركة «حماس» على الميليشيا الخاصة بها، لذا رغبته في المحاولة ليست كبيرة. وعوضاً عن ذلك، يريد أن يبذل جهداً كافياً في المفاوضات التي تجري بوساطة مصرية لتجنب الانتقادات الداخلية عند فشلها، مع توجيه أصابع الاتهام إلى «حماس» لدى انهيار المحادثات. ويفترض هذا السيناريو أيضاً عدم رغبة «حماس» في التنازل عن أي سلطة فعلية في غزة – فالحركة تستخدم فكرة الوحدة من أجل دعم مساعيها لجمع الأموال فحسب في ظل الضائقة الاقتصادية الشديدة في غزة. وبالتالي، فإن أي بيان أمريكي لن يكون مؤثراً، لأن أياً من الطرفين لن يسمح على أي حال بالمضي قدماً في المصالحة.
*ديفيد ماكوفسكي هو زميل «زيغلر» المميز ومدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن.