الصبر مفتاح الفرج… حكمة كلاسيكية أزلية بليغة.. نقرأها أو نطالعها مكتوبة بخط جميل في أكثر من مكان، قد تحملها لوحة خشبية أو ورقية أو زجاجية معلقة هنا أو هناك.. أو نراها مدونة على جدران بيوتنا أو نشاهدها في دكاكين العطارين والحلاقين أو حين تقلنا سيارات النقل العام الصغيرة أو الكبيرة أو سيارات «التاكسي» .. وقد نجدها تحتل موقعاً على «دشبول « السيارة، او تتصدر واجهة محل الإسكافي (القندرجي) طمعاً في رزق يأتيه من زبائن يحملون «فردة» أو «زوج حذاء» تعرض الى انتهاكات من قبل صاحبه بسبب سوء استعماله أو لتجاوزه المسافات المقرر قطعها بحسب المواصفات القياسية عند التصنيع، أو لتعرضه الى استعمال مفرط للأدوات الديمقراطية في التعاطي مع القضايا المصيرية وهذا ما يؤدي الى وقوع انتهاكات خطرة من دون مراعاة لنداءات منظمة «هيومن رايتس ووتش» !
كذلك قد نجد هذه الحكمة معلقة في محل (البنجرجي) الذي ينتظر مزيداً من أصحاب السيارات وهم يحملون له إطارات سيارات مصابة أما بمسمار»مزنجر» أو قطعة حديد تائهة من نيران صديقة ، ومصائب قوم عند قوم فوائد، أو قد نجدها مكتوبة بقطعة طبشور أو بقايا حجر أو طابوقة على جدار زنزانة سجين…عسى أن يأتيه الفرج.. بعفو عام يصدر بعد اتفاق الكتل والأحزاب أو بمساومة سياسة.. أو بهرب جماعي !
السيد مظلوم… موظف حكومي طيب بسيط ..من طبقة المتفائلين والمؤمنين بهذه الحكمة،… تراه قانعاً بالمقسوم.. على الرغم من الظلم الذي يلحق به يومياً ، مؤمناً بقدره الذي وضعه في هذا المكان ، ومع هذا كان يفقد أعصابه في الكثير من الأحيان فور سماعه خبر حرمانه من إيفاد مستحق أو عندما يُشطب اسمه من مكافأة أو علاوة أو ترفيع، وفي كل مرة يكون فيها على هذه الحال كان يقترب منه زميله في العمل أبو محظوظ هامساً في أذنه : «عزيزي مظلوم… هدّي أعصابك.. أنت قدوتنا.. ومنك نتعلم الصبر.. معقولة أنت رافع شعار (الصبر ..مفتاح الفرج) … وأنت ما عندك صبر.. يا أخي مسامع المثل اللي يكول « اصبر على الحصرم تاكله عنب» ؟! هنا يجيبه الموظف مظلوم : «يا عنب يا حصرم صارلي سنين وآني أنتظر، لا حصّلت حصرم ولا عنب، بينما عيني تشوف هذا وذاك يعبّون بسلالهم يومياً كلشي وكلاشي» .. ،فهناك من يحوّل دائرته الى غابة… وهناك من يحوّلها الى جنة… وهناك من يحوّلها الى (سيرك) .. وهناك من يحوّلها الى مسرح ، أو الى دائرة أمن وهناك من يحوّلها الى (خان جغان) .. أو حتى الى علوة مخضر… أو “سوق هرج “!!
من خلال معايشتك لشريحة الموظفين…. هناك من تستذكره بألم وحسرة.. لأنك أضعت جزءاً من عمرك في رفقتهم…. وهناك من تفتخر لأنك عملت الى جانبهم وكنت تتمنى أن يمتد عملك معهم سنوات أخرى… هناك من تتعلم منهم الشيء الكثير، وهناك من تقاسمت معهم الألم والفرح والتحدي… مثلما تقاسمت معهم رغيف خبز الفطور الصباحي أو لفة الفلافل أو بقايا قطعة الصمون الحار مع قدح أو استكان الشاي… هناك من كنت تُقرضه عند الضيق وهناك من كنت تقترض منه عندما تتعرض الى ضائقة أو عوز مالي.. هناك من ناضلت معه لتأسيس الجمعيات السرية والعلنية لتسليف زملائك شهرياً لمساعدتهم في شراء أثاث منزلي أو جهاز كهربائي أو دفع قسط سيارة..أو شقة ، هناك من تبكي لفراقهم وهناك من تبكي عليهم.. هناك من تشاركهم فرحهم وضحكاتهم، وهناك من تضحك عليهم، هناك من تقوم «برش» الماء عند مغادرتهم الوظيفة.. أملاً في عودتهم مرة أخرى، وهناك من ترمي خلف ظهورهم «سبع حجارات».. أو «أطناناً من الحجر» ..حتى لا تلتقيهم مجدداً !
• ضوء
من فقــد كــرامته وعفـته.. فإنــه يـــــحــاول انتزاعهما من الآخرين بأي ثمن !
عاصم جهاد