يحيي اليوم الثلاثاء حفلا في ساقية الصاوي في القاهرة
عبد العليم البناء
عرف الفنان نصير شمة واحدا من أبرز عازفي العود إن لم يكن أبرزههم وأكثرهم شهرة وحضورا في الوطن العربي والعالم ليحلق في فضاءات الموسيقى بمختلف الوانها محليا وعربيا وعالميا عبر أكثر من محفل ومهرجان وملتقى وقدم روائع أعماله على أشهر مسارح العالم سفيرا أصيلا للموسيقى العراقية حتى بات رمزا إنسانيا عالميا يفخر به العراقيون جميعا وكان ابن العراق البار والانسانية جمعاء ومازال يدافع عن حقوقهم ويسعى لخيرهم من دون تمييز. وكانت مشاريعه الانسانية الخيرية داخل وخارج العراق خيرشاهد على هذا العطاء الانساني الخلاق الذي باهى به الجميع وحظي بإعجابهم وتقديره حتى حظي بلقب (سفير منظمة اللاعنف الدولية) وأخيرا (سفير اليونسكو للسلام) موظفا هذه الالقاب ليس لصالحه شخصيا بل لصالح العراقيين والعرب وكل بني البشر ممن يحتاجون الدعم والمساندة وهم يعيشون وسط آتون الحروب والفجائع والويلات .
الموسيقار العالمي نصير شمة في الوقت الذي يقدم فيه هذه الليلة حفله الموسيقي الجديد وليس الاخير في ساقية الصاوي في قلب القاهرة مساء اليوم الثلاثاء يستعد لمناقشة رسالته الموسومة (الاسلوبية موسيقيا) لنيل شهادة الماجستير ليكرس بحثه هذا الاستثنائي والمغاير وغير التقليدي منافحا عن رؤاه وهو الموسيقي البارع الذي خاض في مختلف مجالات الموسيقى ملحنا ومؤلفا وعازفا ومدرسا ليؤكد فروسيته النادرة في البحث الموسيقي الخميس المقبل في المجلس الاعلى للثقافة في القاهرة أمام لجنة مناقشة تضم نخبة من أبرز أعلام النقد والموسيقي وهم :الناقد الكبير الاستاذ الدكتور صلاح فضل والناقد الموسيقي الاستاذ الدكتور زين نصار والاستاذة ايناس عبد الدايم رئيس دار الاوبرا المصرية حيث سيدافع شمة عن طروحاته وآرائه القيمة التي اوردها في رسالته المهمة بدلالاتها واسنتاجاتها ونتائجها ليعود بعدها الى بغداد الحبيبة ليحيي حفل يوم السلام العالمي في الحادي والعشرين من هذا الشهر في قاعة المسرح الوطني وللسنة السادسة على التوالي وتوقيع عقود اعمار عشرين ساحة من ساحات بغداد المهمة ضمن مشروع (ألق بغداد)بالتعاون والتمويل من لدن رابطة المصارف الخاصة العراقية وبرئاسة السيد وديع الحنظل وباشراف الامانة العامة في رئاسة الوزراء ..
مع الموسيقار نصير شمة كان هذا الحوار عن أهم مجريات بحثه الموسوم (الاسلوبية موسيقيا):
قال شمة إن :»البحث عن السرّ كان أول إشارة للدخول في البحث عن الأسلوبية موسيقيا.وأظن أن كل ما كتب من نقد وفكر وفلسفة كان يقف وراءه دائما «فضول» معرفة السرّ.الأسلوبية ليست سرّا، لكن ما يكمن فيها يمكن أن نسميه خزنة كبيرة من الأسرار».
وأشار الى أن: « هذا البحث يتلخص بأنه محاولة لأجل تطبيق نظرية الأسلوبية في الأدب على الموسيقى والفنون، لأسباب كثيرة أولها وأهمها أن الفنون والموسيقى خاصة تبرز فيها الأسلوبية بطريقة أكثر تمظهرا ووضوحا من بقية الفنون، وأضيف للموسيقى الرسم، منطلقا من أن حاستي السمع والبصر ربما تكونا من أسرع الحواس عملا في جسد الإنسان».
وتناول شمة علاقة الحواس بنظرية الاسلوبية مؤكدا :» قد يرى البعض أن الحواس لا علاقة لها بنظرية الأسلوبية التي هي عنوان هذا المبحث، ولكنني أؤكد أن الأسلوبية وهي نتيجة توصلت لها خلال هذا البحث هي عمل تفاعلي بين العقل والحواس، ولا يمكن أن نقف على مشارف النظرية من دون تحديد موقفنا منها.
مشيرا الى ان :»هذا البحث ليس حصيلة قراءة معرفية وحسب، ولا ينفصل أبدا كموضوع علمي عن خبرتي الخاصة كمؤلف وعازف ومدرس للموسيقى، هو حصيلة تجربة كاملة أيضا لا تفصل بين ما هو عقلي وما هو روحي أو بتعبير آخر مرتبط بالشعور».
وأوضح شمة» حاولت في هذا البحث أن أتجه الى العلمية بقدر استطاعتي، ولكنني بعد فترة وجيزة من بداية عملي توصلت الى أن واحدة من الجماليات التي تكمن في النقد أن لا تكون العملية النقدية مجرد عملية حسابية خارجية، بل أن أكثر ما يجعل وجودها ملفتا هو عدم جمودها أو ارتكانها الى قواعد ثابتة الا العريض منها. أي أن القاعدة أساس أما ما حولها فيمكن أن يتحرك ويتطور.
مضيفا: «كما حاولت أن أتخذ من المركزية والأطراف مجالا لحركة بحثي، وفي هذا الإطار، بحثت في المركزية التي وجدتها في الغالب أرضا مستقرة تخاف التجديد والانزياح الى حد ما، في حين أن الأطراف تأتي دائما بالانزياحات الكبيرة، وانتبهت الى أن هذا يسري لا على الموسيقى وحسب، ولا على الفنون وحدها على اختلافها إنما أيضا على السياسات. كما ينطبق تماما على الأطفال الذين يستطيعون بعفوية أن يشكلوا تيارا جديدا وأسلوبية مغايرة لأنهم ببساطة يقومون بهذا من غير انتباه كبير وبجرأة العفوية التي لا تعنى كثيرا باختلافها عن المركز. وتناولت أيضا علاقة الهوية بالأسلوبية، والتي ترتبط مباشرة بشكل أكثر وضوحا بالأطراف كونها دائما مطالبة بإثبات وجودها وانتمائها في حين أن المركزية تستلهم وجودها بقوة من ثباتها داخل هويتها وبالتالي إسلوبيتها».
وبيَن شمة أن هذا البحث : «ركز أيضا على الفوارق بين الأسلوب والأسلوبية في الموسيقى، ودرس بعض النماذج وفق هذا المنظار، وفي جانب منه استعان البحث بنماذج غير موسيقية بل أنها لا تمت أحيانا الى الموسيقى بصلة، كنظرية نيوتن والجاذبية الأرضية مرتكزا على أن كل نظرية في الكون تستطيع أن تتناغم مع ما حولها لتصنع جسدا جديدا وحياة مستقلة».
وتابع شمة : «عنيت في هذا البحث أيضا في الإجابة على بعض الأسئلة التي كانت تتولد أثناء البحث، وحاولت الفصل نتيجتها على سبيل المثال بين الأسلوبية والتكرار أو الأسلوبية والنمطية، محاولا تحديد الفوارق بينها.وتناول البحث أيضا الفوارق بين الأسلوبيات الشخصية منها والمجتمعية أيضا، وعن تشكل الهوية الجمعية ومن ثم الهوية الفردية داخل الهوية الأكبر والتي تشكل البذرة الأولى لنمو الأسلوب ومنه الى الأسلوبية».
واستطرد الموسقار نصير شمة في حديثه بالاشارة الى أن بحثه: « تطرق أيضا الى الأسلوبية بوصفها نتاج اجتماعي سياسي وليس فنيا وحسب، وفي هذا استند البحث الى نماذج متفرقة من ثقافات مختلفة كالجاز الذي كان نتاجا محض اجتماعي أو الأغنية السياسية الساخرة منها كتيار إسلوبي أو تلك التي طبعت مراحل وطنية من حياة مجتمعات.كما تطرق أيضا الى المراحل السياسية الفاصلة بوصفها محطات شكلت في كثير من الأحيان انزياحات في تناول الهوية والانتماء، والتي تمظهرت أيضا بشكل إسلوبي، كمافي تيار ما بعد الاستعمار على سبيل المثال لا الحصر».
وأكد شمة أن البحث: « تطرق أيضا الى بعض النماذج الفنية التي صنعت إسلوبية شكلت تيارا كبيرا، كالرحبانية وفيروز الذين قاموا بتأسيس تيار كامل في الموسيقى جرف الكثيرين الى بريق دائرته ولكنه ظل يقف متميزا وبهوية إسلوبية لم يستطع حتى أكثر مقلديها جدارة أن يتمايز داخلها بصنع أسلوبيته الخاصة».
ولأن هذا البحث ارتكز في جانب كبير منه على النظريات التي وضعها مفكرون ونقاد وفلاسفة بناء على أرضيات محض لغوية كلامية، فقد حاولت – يؤكد شمة – مرارا وفي أكثر من موضع في بحثه «إيجاد الأواصر المشتركة بين اللغة التي تنبني من كلام واللغة التي تنبني من نغم منطلقا من فكرة أن اللغة بغض النظر عن تشكيلها تستطيع أن تجد الطرق التي تتلاقى بها».
ويشير الى الى أن البحث ركز أيضا : «على اسلوبية الفرد داخل المجموعة، واتخذ من فرق الأوركسترا مثالا على ذلك، وعلى تمايز عازف معين داخل اوركسترا كبيرة تجعل إسلوبيته تبرز بشكل واضح مع أنه يؤدي النوتة المكتوبة أمامه التي يؤديها مختلف أعضاء الأوركسترا في اللحظة نفسها».
كما انتبه الباحث نصير شمة «الى العلاقة بين الفكر والفلسفة والثقافة بشكل عام وبين الإسلوبية عند الفرد ومدى تناغم هذه المفاهيم مع بعضها بحيث تؤلف تيارا اسلوبيا ينبني على ركيزة غنية من المعرفة، وميّز بين الإسلوبية التي ترتكز على العفوية وبين تلك التي تكون حصيلة واعية لتراكم معرفي».
أخيرا فإننا نتمنى ونتوقع – كما هو حال كل المعنيين بالموسيقى والبحث الموسيقي – لموسيقارنا البارع نصير شمة نيل شهادة الماجستير بدرجة الامتياز مع مرتبة الشرف لانه يستحقها عن جدارة واستحقاق أظهرها بحثه الرصين والمهم الذي ربما يعد الاول من نوعه على صعيد البحث الموسيقي وشموليته الفكرية والابداعية والثقافية الواضحة شكلا ومضمونا…