الندوة حضرها شخصيات سياسية وحكومية
بغداد – سها الشيخلي:
أقام معهد التقدم للسياسات الانمائية، السبت الماضي، ندوة موسعة حول الاعلام والعملية السياسية تحدث خلالها رئيس التحرير اسماعيل زاير عن الاعلام وما شهدته العملية السياسية من تداعيات وافرازات انعكست بشكل مباشر على المشهد الاعلامي في البلاد. الندوة التي شاركت فيها “الصباح الجديد”، حضرها مجموعة من الاعلاميين والخبراء، ورجال الفكر والسياسة، الى جانب القنوات الفضائية والصحف المحلية.
وفي مستهل الندوة تسائل مدير المعهد الدكتور مهدي الحافظ، عن العلاقة بين الاعلام والسياسة في العراق، قائلا “هل يمكن للاعلام ان يكون اداة مهمة من ادوات العملية السياسية في البلد”، موضحا ان “الظاهرة لاتقتصر على العراق وحسب انما في اغلب دول العالم”.
ولفت الحافظ الى ان العملية السياسية “لم تعد مثلما بدأت وان الفكرة الاساسية لشبكة الاعلام العراقي، يجب ان تكون شبكة مستقلة تمثل جميع اطياف الشعب العراقي”، مشدداً على ان “جميع المؤسسات الموجودة اليوم في العراق تمثل المحاصصة بامتياز”.
وحذر عضو مجلس النواب “من التدخل الخارجي في الواقع الاعلامي الذي ادى الى غياب الخطاب الاعلامي الموحد وتشويه صورة العراق على المستويين الداخلي والخارجي”.
المشهد الاعلامي
من جهته، تحدث رئيس تحرير صحيفة “الصباح الجديد”، الاستاذ اسماعيل زاير شارحا بنحو تفصيلي المشهد الاعلامي العراقي ومدى تأثره وتأثيره بالعملية السياسية.
وذكر زاير ان “الاعلام يمثل اهمية فائقة وقد اصبح يمثل السلطة الاولى وليست الرابعة كما كان يقال سابقاً”، مشيراً الى أنه “مع نمو الاقتصادات الدقيقة اصبح دور الاعلام جوهرياً ويمثل الرئة الاساسية لمعرفة مايحدث في جميع المجالات وعلى الاصعدة كافة”.
وافاد زاير بان “الواقع الاعلامي في العراق شهدا اختلافاً واضحاً فيما كان عليه الحال قبل عام 2003 وما بعدها فالنظام السابق عمل على مدى عقود من الزمن تربية جيل من الصحفيين والاعلاميين الذين لايجيدون شيئاً سوى مدح النظام وتلقي التعليمات منه وعندما سقط ذلك النظام لم يكن هناك اي مصدر للاعلام بعد الغاء وزارة الاعلام”، لافتاً الى ان “صدام سقط هذا صحيح ولكن الصدامية الاعلامية مازالت موجودة في العراق فالاعلام ومؤسساته لاتؤسس او تستحدث بناء على قرارات انما الاعلام هو عملية تراكمية في بناء التقاليد والاسس والاعراف التي يمكن اعتمادها، وهذا الامر لم يحدث في العراق بعد عام 2003 بل سادت حالة من الارتباك ليس في قطاع الاعلام فقط انما في جميع قطاعات التنمية والحياة بنحو عام”.
واضاف رئيس تحرير “الصباح الجديد” ان “هذا الارتباك كان بسبب غياب البرنامج الواضح للمشهد الاعلامي كما ان الادارة الاميريكية التي احتلت العراق لم يكن لديها اي تصور او برنامج واضح للاعلام الذي تم تسليمه الى شركة ليس لها اي علاقة بهذا الموضوع تتولى ادارة الاعلام وكان هم هذه الشركة هو تحقيق المزيد من الكسب والربح بعد ان حصلت على (95) مليون دولار وان من تولى مهمة ادارة الاعلام العراقي بعد عام 2003 في مراحله الاولى لم يكن بينهم اي صحفي او اعلامي لدرجة ان احد المتنفذين في عملية ادارة الملف الاعلامي كان صاحب مقهى، اما الدور الاميريكي فكان دور القرصان لذلك نشأت المؤسسات الاعلامية بروح القرصنة”، مشيراً الى ان “من اسهم في بناء العناوين الصحفية والاعلامية هي الاحزاب السياسية مع غياب واضح لدور القطاع الخاص في الجانب الاعلامي”.
ومضى زاير الى القول “بعد تدهور عناوين العملية السياسية وتشتت الموقف الوطني واصبح الخلاف هو سيد الموقف دعا هذا الوضع الدول الاقليمية الى التدخل اعلاميا وهذه العملية هي من اخطر ما يواجهه البلد”، مبيناً اننا وقعنا في كمين اخلاقي كبير عندما اصبحت الاحزاب السياسية تتبنى سياسة التشهير فيما بينها وهذا الامر انسحب على وسائل الاعلام”.
غياب الركائز
ولفت زاير الى ان “التدهور الذي يعاني منه الاعلام العراقي ناتج من غياب الركائز الاساسية التي يمكن ان تنهض بهذا الواقع وهذه الاسس هي عدم وجود المؤسسات وغياب التشريعات والقوانين وغياب التأهيل”، مبيناً ان “تأسيس شبكة الاعلام العراقي كان وهماً مقيتاً لعدم وجود الاستقلالية الحقيقية، اما اداء الاعلام الرسمي فكان محبطا جدا وهناك فوضى في التشريعات والقوانين التي تنظم العمل الاعلامي لاسيما فيما يتعلق بحرية النشر والتعبير وحق الحصول على المعلومة”.
وكشف زاير ان “قانون نقابة الصحفيين العراقيين ما زال يدافع اهداف عن حزب البعث لانه ينظر الى كل من يعمل في النقابة سواء كان اداريا او عامل خدمة هو عضو في النقابة ويحمل الصفة الصحفية !”، مشيراً الى ان تأسيس محكمة النشر تعد من الخطوات المهمة بعد عام 2003 لان هذه المحكمة تمكنت فعلا من ايجاد حاجز بين السلطة والفتك بالاعلام”.
ودعا زاير في معرض حديثه الى “اعادة النظر بالمؤسسات الاعلامية التي تقوم على اعداد الصحفيين والاعلاميين ومنها على وجه التحديد كلية الاعلام فهذه الكلية والمؤسسات الاخرى غير قادرة على تأهيل واعداد الاعلاميين من خلال اعادة النظر بالمناهج والاساتذة ومواكبة التطور الحاصل في العالم في مجال الاعلام”.
وختم الاعلامي والكاتب حديثه قائلاً ان “النهوض بالواقع الاعلامي على وفق المعطيات المتوفرة ليس بالامر السهل ذلك لان الكثير من المؤسسات الاعلامية ترتبط بنحو او بآخر بالاحزاب لذلك فهي منحازة حزبيا ولن يكون باستطاعتنا ان نقوم باعداد ميثاق شرف مهني نحتكم اليه في حال وجود اساءة من هذه المؤسسة الاعلامية او ذلك الاعلامي لان الاحزاب ومؤسساتها الاعلامية لاتريد ان تلزم نفسها بمنهج مهني رصين”.
الاعلام الداخلي والخارجي
بعد ذلك تحدث الاعلامي والشاعر العراقي المعروف شوقي عبدالامير معقباً على ما طرحه الاعلامي اسماعيل زاير، مشيراً الى ان “المراقب الخارجي للاعلام العراقي يجده اعلاما مطوقا في حدود المكان وتكاد العلاقة مع العالم الخارجي والداخل العراقي مقطوعة تماما بسبب غياب دور الاعلام العراقي في هذا الشأن، وعلى الرغم من تشخيص هذه الحقيقة الا انا نجد من يلتفت ليقوم بنقل ما يحدث في العراق الى الخارج”.
وأضاف عبدالامير ان “الاعلام العراقي ما بعد عام 2003 احدث زلزالا في الاعلام العربي ولكن المشكلة اننا لم نتمكن من استثمار هذا الزلزال بنحو ايجابي لاننا بدأنا حرباً فيما بيننا مع غياب السياسة الاعلامية الواضحة في البلاد وكل ما موجود يقوم على اساس الافعال وردود الافعال”، مبيناً ان “العراق كان اول بلد يقيم الديمقراطية الحقيقية في المنطقة ولكن لم ترافق هذه الديمقراطية مواكبة اعلامية نتيجة غياب الخطاب الاعلامي”.
ولفت عبدالامير الى ان “كليات الاعلام في العراق فاقدة للروح فهي تنتج اعلاميين معاقين غير قادرين على ممارسة دورهم بسبب محدودية امكاناتهم فهم فضلا عن كونهم لايعرفون اللغة الانجليزية لايعرفون حتى لغتهم العربية وكذلك لايمتلكون الادوات الحقيقية للاعلامي ومنها الثقافة والجراة وغيرها”.
واشار عبدالامير الى “المغامرة الاعلامية التي قامت بها السياسة في العراق والتي تمثلت بالغاء وزارة الاعلام ووضع حد للفكر الشمولي في الاعلام لتحل محلها شبكة الاعلام العراقي لم تكن خطوة مدروسة واصبح المشهد الاعلامي العراقي اقرب الى الفوضى منه الى المهنية”، منتقداً عدم وجود ملحقيات صحفية في السفارات العراقية في الخارج لتتولى مهمة الدفاع عن الموقف السياسي الوطني
وخلص الاعلامي شوقي عبدالامير الى القول ان “المشكلة التي نعاني منها اعلاميا هي عدم وجود الشخص المناسب في المكان المناسب كما ان بناء خطاب اعلامي متطور ما زال بعيداً عن الطموح”، داعيا الى “اعادة النظر بكليات الاعلام من حيث المناهج والاعداد والاساتذة”.
الحدود بين السياسة والاعلام
من جهته، تحدث الاعلامي سعدون محسن ضمد مبينا ان “الوضع العام العراقي وضع محبط تتلاشي فيه الحدود بين السياسة والاعلام بدليل قيام الحكومة بحجب مواقع التواصل الاجتماعي الذي اتاح لجهات اخرى ان تستثمر هذه المواقع لصالح الترويج لمخططاتها كما ان غلق مكاتب بعض الفضائيات العاملة في العراق من شأنه ان يدفع تلك الفضائيات وهي واسعة الانتشار الى اعتماد طرف واحد في تغطياتها الاعلامية وبهذا تغيب صورة الموقف العراقي حول القضايا الاستراتيجية والمهمة”.
وبين ضمد ان “هناك حالة من الضياع بين الاساسيات الاعلامية وبين التطور السريع للاحداث ناتج عن عدم التهيؤ للوضع الجديد في البلاد، فضلا عن الصورة لدى الاميريكان عند دخولهم العراق كانت مرتبكة”.
وابدى ضمد استغرابه من “عدم قدرة البرلمان العراقي من ان يحافظ على استقلالية شبكة الاعلام العراقي خلال ثلاث دورات متتالية ناهيك عن المؤسسات المستقلة الاخرى التي ابتلعتها الحكومة، وربما يعود ذلك الى الارباك الحاصل في العملية السياسية وغياب الاعلام المستقل كل تلك الاسباب اوجدت صعوبة كبيرة في معرفة الحدود بين الاعلام والسياسة التي هيمنت بنحو واضح على المشهد الاعلامي كما ان الجهات الضامنة لحرية التعبير لم تقم بدورها كما يجب”.
مناقشات وآراء
عقب ذلك ابدى عدد من المشاركين في الندوة من الاعلاميين والسياسيين اراءهم وملاحظاتهم بشأن الواقع الاعلامي العراقي وعلاقته بالعملية السياسية، حيث أشار وكيل وزارة الخارجية السابق الدكتور محمد الحاج حمود الى ان “العراق يمتلك خبرات وكفاءات اعلامية جيدة كما في كل المجالات الاخرى ولكن نتيجة للظروف غير الطبيعية اضطر الكثير من هؤلاء الاعلاميين الى مغادرة البلد والعمل في بلدان اخرى”، مبيناً ان “الاعلام العراقي بواقعه السيء اثر سلبا على العملية السياسية كما ان السياسة الاميركية في العراق التي تمثلت بالغاء وزارة الاعلام وحل الجيش وتأسيس مجلس الحكم على اسس طائفية ادت بنحو مباشر الى احداث حالة من الفوضى والارباك في المشهدين الاعلامي والسياسي”.
في المقابل، أوضح الخبير القانوني عادل اللامي ان الادارة الاميريكية تتحمل جزء كبير من حالة فقدان الهوية التي يعاني منها الاعلام العراقي، والتي اوصلت الاعلاميين الى ان يكونوا ادوات بيد السياسيين، داعياً الاعلامي الى ان “يكون مرآة عاكسة واداة ناقلة للحقيقة بموضوعية وحيادية بعيدا عن الاهواء والمنزلقات السياسية”.
وفي السيباق نفسه، دعت استاذة علم الاجتماع في جامعة بغداد الدكتورة فوزية العطية الى ضرورة دراسة التجربة العراقية في المجال الاعلامي بعد مرور اكثر من عقد من الزمان للوقوف على مواطن الخلل اذ لايمكن الفصل بين السياسة والاعلام من جهة والواقع الاجتماعي من جهة اخرى.
وبدوره حذر الخبير الاقتصادي الدكتور ماجد الصوري من عملية الجلد التي نقوم بها لكل الاعلاميين العراقيين بدعوى انهم غير فاعلين انما هناك كفاءات وقدرات اعلامية عراقية جيدة بامكانها ان تكون فاعلة ومؤثرة لوتوفرت لها الظروف المناسبة، مشيرا الى “غياب الصحفيين المتخصصين في شتى المجالات مثل الصحفيين الاقتصاديين، اذ هناك ندرة في هذا التخصص، ومن الضروري ايجاد معاهد ومراكز تخصصية لتدريب الصحفيين في شتى التخصصات”.
من جهته، أشار سفير العراق لدى منظمة الاغذية والزراعة الدولية (فاو) الدكتور حسن الجنابي اشار الى ان “الفوضى في حقل الاعلام لاتتعلق بهذا الحقل انما هي تعم جميع قطاعات الحياة الاخرى، لذلك نحن نحتاج الى فترة زمنية نستطيع من خلالها فرز الجيد من غير الجيد كما ان الاعلاميين في العراق يحتاجون الى الكثير من الدعم لاسيما المؤسسات المستقلة لاننا اليوم نحن في مرحلة ماقبل الاعلام لذلك ان نعمل بجد للوصول الى مرحلة الاعلام الحقيقي التي سبقنا العالم اليها”.