تغني السيدة أم كلثوم أغنية رائعة تقول فيها ( ستاير النسيان ، نزلت بقى لها زمان ) وهي تقصد جانب المحّبة في عتابها على عملية النسيان ، ولكن (جماعتنا ) أخذوا الجانب السلبي في (التناسي ) وليس النسيان بالتغطية على بعض الأمور الأساسية التي لها علاقة بثروات البلاد وأمن الشعب ، فالطافح على السطح من القضايا المتعلقة بالفساد المالي والأداري والاختراقات التي تؤدي الى الموت اليومي لابناء شعبنا ، هو أكثر من الغاطس ، ولكن المفارقة هي أن جميع الأمور التي تطفو على السطح بفضائحها سرعان ما (تغطس ) لتظهر غيرها و( طمطمة ) القديمة ناسين أن ذاكرة الشعوب لا تمحى ، ولأقرب الموضوع أكثر أضرب مثالاً من مئات الامثلة على حوادث عشناها ، فقبل سنة تقريباً أثيرت فضيحة وصول صناديق تحتوي على لعب أطفال بدلاً من معدات وأجهزة كهربائية نحتاجها للخروج من هذه ( القضية ) المستمرة في شحة الكهرباء ، ولحد الآن لم نعرف نتيجة التحقيق وهل أعيدت لعب الأطفال الى من أرسلها وهل جاءت المواد المطلوبة أو أعيدت المبالغ المالية لقاء هذا (الغش ) ؟ومضت الأشهر ونحن بأنتظار النتيجة ولكن (التواصل ) مع الفضائح المالية والسرقات والغش جعلتنا نتوقف عن التساؤل ، وإذا بفضيحة أخرى يعلن عنها في المكان ذاته وهو وجود محطات ومعدات كهربائية متروكة بصناديقها في العراق لا أحد يتساءل ماذا بها ، حتى جرى الكشف مؤخراً عن محتوياتها ، واذا بها محطات كهربائية نحن أحوج ما نكون اليها ، وقد صرح أحد المسؤولين أن هذه المحطات تستطيع تغطية احتياجات المحافظات الجنوبية كاملة من الكهرباء ، مما يعني ان حصة هذه المحافظات ستتحول الى محافظات أخرى ومنها بغداد مما يحقق تقدماً جيداً في مجال توفير الطاقةالكهربائية .
هذا الموضوع مثار حالياً في وسائل الاعلام ولدى الناس ولكني أراهن أن نظرية ( ستاير النسيان ) ستطبق أيضا على هذه الحالة ، وكل أمانينا أن لا يجري تناسيها بسبب ظهور فضيحة أخرى تتشكل لجنة تحقيقية لبيان ملابساتها ولكنها (تسقط بالتقادم) ونستعد لسماع فضيحة جديدة .
أنني كمواطن أشعر أن الأمور قد وصلت الى حدود غير مقبولة في التعامل مع ملفات الفساد ، فالسراق يكثرون ، والأخرون يشعرون أن نظرية (المال السايب حرام ) يجري تطبيقها في جميع المجالات ، بحيث أن كل من تصل يده اليه من مشاريع وحتى أجور ورواتب وشراء مواد وغيرها يسارع الى اقتطاع حصته مسبقاً وبالطبع يضعها في حساباته المتخمة في الخارج ، حتى أن الشركات والدول الاجنبية باتت تعرف هذه الحقيقة لذلك فأنها تضع بأعتبارها (عمولة) المسؤولين عن كل مشروع مع وضع مبالغ غير حقيقية كقيمة لانجاز أي مشروع أو بيع بضاعة ، أي أن عمليات السرقة والاحتيال متبادلة بين الخارج والداخل ، أما المواطن فهو بين الأثنين يجري (عصره ) وامتصاص دمائه وثرواته الوطنية لتوضع في جيوب السراق الذين لا يشبعون ويطالبون بالمزيد .
والسؤال المشروع في هذا المجال ، هو : الى متى ، ومن سيضع حداً لما يقع ، واتخاذ خطوات جادة للحفاظ على الثروة الوطنية ومنع السرقة والغش والاحتيال ، خصوصاً وأن العالم الخارجي والمنظمات الدولية تراقبنا لتعرف من سيفوز في سباق اكثر دولة فساداً في العالم ، هل العراق أم الصومال ، واذا استمرت الامور على ما نحن عليه الآن في هذا المجال فسنحصل بجدارة على (بطولة الدوري )!