في خضّم الأحداث السياسية بالعراق آنذاك بزعامة “القائد المناضل صدام حسين” فتى حزب البعث كما أطلق عليه اللقب ميشال عفلق في مطلع السبعينيات من القرن الماضي، وكنا شهود عيان كضحايا مسبقين وكثوار مغامرين يناضلون في أقاصي الجبال والتضاريس القاسية من أجل إسقاط نظام حكم استبدادي شرس يتمتع بالدعم الغربي ضد إيران. فتى الحزب هذا لم يكن سوى عميل مدرب من قبل المخابرات المركزية الأميريكية التي تلقفته من المخابرات الفرنسية بالبيع والشراء.
شعر الكثير من الساسة العراقيين المخضرمين فداحة هذا الأمر الذي يجري بين صفوف حزبهم القائد للعملية السياسية بالعراق. ضاق بهم الحال حتى وصل إلى حدود المحال. لم يخضع قادة البعث الشرفاء بالعراق من أمثال المناضل صلاح عمر العلي الذي تجاهلته الأحداث، لم تأخذ التجربة السياسية الحديثة بعين الاعتبار شخصيات مناضلة كبيرة كان بإمكانها ترويض المتطرفين من كلا الجهتين الطائفيتن المتخاصمتين على مساحة من الفراغ السياسي أكثر منه الفراغ الطائفي. ونتذكر في هذا السياق القائد والمفكر البعثي اللامع الشهيد عبد الخالق السامرائي وكذلك الشهيد المغدور القيادي فؤاد الركابي الذي تمت تصفيته بالسجن. ويلاحظ القارئ التنوع الطائفي المتماهي بالحس الوطني إلى حد الذوبان الكامل، حتى عُمد إلى إذكاء جذوة الطائفية الخامدة عمدا وعن سبق إصرار وتصميم من قبل عصابات صدام حسين لبث الفرقة الوطنية بين صفوف ومكونات الشعب العراقي.
الأستاذ صلاح عمر العلي السياسي الوطني المغيب والمتغيب الذي له الباع السياسي الكبير عبر إصداره جرديته الأسبوعة “الوفاق” بلندن، التي حاولت بشكل جدي إعادة اللحمة الوطنية بين العراقيين المنفيين من جميع الأحزاب والجهات بغض النظر عن الطائفة والقومية والدين، فكانت مشروعا وطنيا على بساطته والجهد المتواضع ماليا الذي كان يغطيه الأستاذ أبو عمر بعمله الشخصي والأقلام العراقية الحرة والشريفة التي كانت ترفد الجريدة بالكلمة والرأي الحر، وكنت أحد هذه الأقلام الحرة التي لم تسأل عن مكافأة طيلة صدور هذا المطبوع لإيماني بهذا المشروع الوطني الجاد بغض النظر كوني أنتمي لحزب وطني آخر والأستاذ صلاح عمر العلي من الصفوف المتقدمة بحزب البعث العربي الاشتراكي. لكنه عارض سياسات صدام حسين الاستبدادية ومنطلقاته القمعية وناضل من أجل العراق والشعب العراقي كأي مواطن عراقي شريف. تحية للأستاذ المناضل صلاح عمر العلي.
كان الوضع السياسي المعارض، وأعتقد مازال وإن خلف الكواليس، يتسم بالصراحة والنقاء وتجاوز العراقيل والخزعبلات الطائفية والأثنية بخلاصة وطنية جامعة للكل. ربما يستعيد الساسة العراقيون ذلك التوجه الوطني الجوهري من جديد.. ربما؟
علي عبد العال