“بعدما أعدم التنظيم العشرات واظبوا على صلاة العصر قرب جثثنا”
القسم الثاني
نينوى ـ خدر خلات:
كشف ناجٍ ايزيدي من اول مجزرة ارتكبها تنظيم داعش في سنجار والتي اسفرت عن مقتل 76 مواطنا، كيف ان الدواعش تركوا الضحايا يحتضرون ودماؤهم تنزف وقاموا للصلاة قرب جثثهم.
ونقل الباحث الايزيدي داود مراد ختاري، المختص بتدوين قصص الناجين الايزيديين من قبضة داعش نقلا عن الناجي الايزيدي خلف ميرزا داود هويري/ تولد 1963 ان “جميع الضحايا وقعوا في الحفرة، لم أدرك بعدها ماذا حصل لنا، بعد ربع ساعة رأيت داعشياً فوق رأسي يطلب من زميله أن يمنحه الفرصة بقتل أحد الجرحى كي يدخل الى الجنة، فرمى على الشخص الذي بجانبي وتناثر مخه على وجهي ثم على شخص ثان ووصل مخه الى وجهي أيضاً . والآخر بجانبي جرح بطنه ينزف كصنبور الماء، وعرفت أحد الدواعش من قرية كر شبك اسمه (أكرم)”.
وتابع “ثم صلوا صلاة العصر بالقرب منا، في هذه الاثناء رأيت اسماعيل الياس معمو غير مصاب طلبت منه أن لا يتكلم، لعلهم بعد الصلاة يذهبون، بعد الصلاة بدقائق رحلوا وغادروا المكان، حينما رأيتهم قد ابتعدوا، سحبت نفسي من بين الجثث وجلست مندهشاً من الحالة ثم نهض بقية المصابين ممن كانوا قادرين على الحركة والتنفس، بكيت على ما أصابنا وعلى ابنائي”.
واشار هويري “نهض ابني أياد / تولد1995، وقال ها أنا حي لكنني مصاب يا أبي، ثم نهض ابني الآخر (ريان) وقال: أنا أيضاً مصاب وتبين انه قد فقد أحد أصابعه وأصبحنا تسعة أشخاص ناجين، ونحن في حالة من اللاوعي والإرهاق التام واللحظات العصيبة، رأيت علبة سيجائر نوع (mm) لأحد الضحايا وضعتها في جيبي ودخنت منها سيجارة، رأيت أحدا من أقربائي (ريفار مراد تمر ـ كان متزوجا وله طفلة فقط) قد فارق الحياة، بكيت على جثته بحرقة وقلت يا ابن عم يا ليتني كنت ميتاً بدلاً عنك، و خرجنا من مكان المجزرة، وبعد أمتار رأينا ثلاث جثث مازال الدم ينهمر منها”.
مبينا “كان اسماعيل الياس وعمر هبو، سالمين ولم تصبهم رصاصات الغدر، فركضا نحو مزار آمادين، بينما نحن بقية المصابين نتبع اثرهم ونمشي ببطء، بعد مسافة قصيرة توقف اثنان من المصابين ولم يستطيعا مواصلة السير، حاولنا حثهم على مواصلة السير، كنا ندخل التراب في جروحنا عسى ان يتوقف النزف او يقل، مشينا مسافة أخرى أنا وابني ريان، كانت اصاباتنا خفيفة قياساً للآخرين بمن فيهم ابني أياد حيث كانت إصابته بليغة، إذ جرح في عدة أماكن من جسمه، وكنا نسنده وبعض الاحيان نحمله، وبين الحين والحين الاخر نجلس لأخذ قسط من الراحة ثم نواصل السير، وتعقد وضعنا بعدما سقط مصاب آخر على الأرض بسبب تواصل نزيفه الذي فشلنا في ايقافه، كانت سكرات الموت ونوبات التشنج لا تفارقه، بكينا على حاله وحينما فارق الحياة جلست بقربه لأدخن سيجارة بجانب جثته التي سنغادرها مجبرين بعد لحظات”.
واستطرد هويري “واصلنا السير وشاهدنا في الطريق أشخاصا يتوجهون نحو قنى، يبدو انهم من أهل الضحايا، واحدهم حينما رآنا في هذه الحالة وعرف التفاصيل قرر مرافقتنا ومساعدتنا للوصول الى مقبرة المهركان، وصلنا في الثانية عشرة ليلاً، وواصلنا السير الى الاسفل حيث هناك بئر المهركان، حينها وقعنا على الارض أنا وابني اياد نتيجة العطش والنزيف المستمر من الجروح أيضاً، طلبت من ابني ريان أن يذهب الى عائلة (حمو حسين مرازينك) كانوا بالقرب منا يمتلك قطيع الاغنام في المنطقة كي يبعث لنا أحدهم ليساعدنا ويجلب لنا الماء”.
مشيرا الى انه “جاء الينا حمو حسين وجلب لنا الماء، بكى على حالنا، طلبت منه ان نشرب الماء لكنه منعنا من شربه لأننا مصابون واصاباتنا بليغة، بعد الالحاح والتوسل سقانا قطرات من الماء فقط، وطلب منا بالتوجه الى داره القريبة، قال المسافة لا تتعدى الـ (10) دقائق مشياً، لكننا استغرقنا ساعة كاملة لقطعها، عندما وصلنا الدار، واخذنا قسطا من الراحة شربنا الحليب، وكان في ضيافتهم شخصان آخران”.
منوها الى انه “في الرابعة فجراً توجهنا أنا وابني ريان مشياً نحو وادي (كلي بيريك)، بينما حملوا اياد بسيارتهم لانه لا يستطيع المشي في الجبل، وحملنا معنا ايضا الخبز والماء، عندما وصلنا هناك بقيت مع ابنائي في الوادي، كانت تنهال علينا القذائف والاطلاقات، لذلك اختبأنا تحت صخرة لنحتمي بها من القصف واحتمالات الموت، بكى على حالنا (فقير سفري) وقدم لنا بعض الملابس لان ملابسنا كانت دامية، وذات مرة جلب لنا القليل من الأكل فأعطيته لأياد ولم نتناول منه أنا وابني الاخر، وبعدها غادرنا ومشينا مدة (11) ساعة متواصلة لحين وصولنا الى مبتغانا في كلي حاجي”.
ولفت هويري الى انه “في صباح اليوم التالي هجم علينا الدواعش وتم قصفنا وقتل شخص بالقرب منا، توجه الناس الى (وادي العاصي) وبقية المناطق في الجبل ونحن مشينا مع الناس وحينما اقتربنا من ساحبة زراعية مركونة هناك رأيت بجانبها أربع جثث من أهالي سنجار، صور لا يمكن نسيانها من كبار السن الذين لم يستطيعوا تسلق الجبل، أما الاطفال فكان بكاؤهم من العطش والجوع مع نواح المرضى يدمي القلب”.
واضاف “مضت خمسة أيام علينا، لم نستطع مداواة جراحنا، كنت سابقاً أمارس هواية الصيد في الجبل، لذلك كان لي معرفة تامة باماكن الوديان وينابيع المياه، وصلنا بالقرب من (بئر حمو) طلبت من شخص عبوته البلاستيكية الفارغة ثم حصلت على عبوة ثانية وربطتها ببعض القطع الممزقة من الملابس ورتبتها على شكل حبل، ذهبت الى البئر وجروحي تنزف دماً لكني كنت مجبراً لان (أياد) لا يستطيع أن يتحمل العطش مدة اطول وجروحه تنزف وتتورم، كنت احدث نفسي مؤملا أن نصل لمنطقة آمنة فيها محطة طبية أو مضمد يحمل معه بعض المستلزمات الضرورية لعلاجنا مؤقتاً”.
وتابع “نزلت العبوة البلاستيكية ذات سعة (5) لتر الى البئر لكن لم تصل الى الماء لقصر الحبل فأجبرت على ربط غطاء رأسي المتسخ بالدماء بالحبل، وعندما امتلأت العبوة بالماء، لم استطع سحبها ورفعها للأعلى لان يدي اليمنى المصابة بإطلاقة خذلتني، فمسكت الحبل باليسرى وسحبتها بأسناني للأعلى لحين وصلت العبوة الى فوهة البئر، وهكذا تم تعبئة العبوة الثانية، و جلبت الماء لأبنائي وقبل وصولي اليهم رأيت طفلين كادا أن يموتا من العطش، وحينما رأت والدتهما الي أحمل الماء توجهت نحوي مسرعة تستجير بي كي اروي عطش طفليها وانقذهما من الموت، بكيت لحالها وملأت عبوتها البلاستيكية ذات اللترين فشكرتني”.
واكد هويري “التم الناس حولي مستغيثين ووزعت الماء بالقطرات داخل غطاء العبوة للناس المتواجدين هناك، ولم يبق لأبنائي الا القليل من الماء، طلب مني الشباب المساعدة في التوجه نحو البئر فذهبت معهم واستطعنا ملء (47) قنينة بلاستيكية سعة (5) التار، وبعدها توجهنا الى منطقة (جل ميرا)، بقينا هناك ليومين، أقولها للتاريخ بان ابناء (بدل شرا وقاسم دربو) كانوا يجلبون الماء بسياراتهم من بئر ليلي لجميع العائلات هناك وباستمرار، وتم مداواة اصاباتنا لأول مرة بعد مرور أسبوع من قبل الدكتور حسين سنجو وهو طبيب مشهور من اهالي بحزاني”.