بين مدة واخرى نقرأ أو نشاهد أو نسمع اخباراً عن جرائم قتل يقوم بها (مسلحون مجهولون) ضد بيوت أو شقق يقال عنها انها كانت مبغى. وان الضحايا هم من المومسات. هكذا ينتهي الخبر من دون ان يترك عند حشد الضمائر الميتة أي أثر، فالجريمة ارتكبت ضد من لا عزاء له في الدنيا والآخرة. حتى الصحافة أو ما يقال عنها السلطة الرابعة لم تشذ عن ذهنية القطيع المهيمنة، لذلك نراها تلتزم الصمت وهي المكلفة بالنبش بأقل الانتهاكات والجرائم التي يتعرض لها من لا صوت ولا عزاء لهن. الجميع متفق على ان المكان الذي دائماً ما يتعرض لغزوة الاشاوس المجهولين (المحتسبين الجدد) هو مبغى. لكن هل حقاً يدركون ما المبغى؟
بلد حكمه أحد احط المخلوقات سيرة وسلوكاً لأكثر من ثلاث عقود، قلب فيه موازين النواميس الوضعية والسماوية، وجعل سفلة القوم يتبؤون سنام المسؤوليات في الدولة والمجتمع، وأجبر الناس على أكل علف الحيوانات كي يبني هو واعوانه قصورهم وحياتهم الماجنة، والمعروفة للقاصي والداني اخبارها وقصصها، ثم يطلب منهم بعد ذلك لأن ينخرطوا في سباق حملته الايمانية والتي انطلقت باستعراض عضلات توبتها، بالهجوم على الفريسة الاقرب لأرواحهم المذعورة والملوثة؛ المبغى!
وهل حقاً مع مثل هذا النوع من الحياة وهذا المشوار الطويل من الهزائم القيمية وسلسلة التنازلات غير المشروطة، يمكن لهذه المخلوقات ان تميز بين المبغى وغيره. وكيف يمكن لمن لم تعرف حياته سوى الاذلال والانبطاح أن يدرك مغزى هذه المفردات؛ المبغى والمومس أو التقوى والفضيلة وغير ذلك من فضلات البشر التي تدعوهم لارتكاب أبشع الجرائم باسم المفردات الضد. ان ما يحدث الآن من اعمال وممارسات وجرائم مشينة وخاصة ما يتعلق بقتل النساء من قبل (المجهولون) لا تقاس بشاعته والصمت والتواطؤ الجماعي الذي يرافقها، وخاصة من قبل المؤسسات الامنية والقضائية، وهي حوادث تعكس المآل الضحل الذي ننحدر اليه جميعاً كأفراد وجماعات حيث الخوف والذعر الشامل الذي ما زال يرن في جماجمنا الخانعة والتي لا تجيد غير النوبات المسعورة وصولات الفتك بكل من تكتشفه مجساتهم منزوع الجوارح والسلاح. ولو كان لهذه الاماكن المستهدفة جماعات مسلحة تقدم الحماية لها، لوجد المهاجمون الاشاوس آلاف التأويلات والتفسيرات التي تبعد عنهم شر هذه المهمات، كما حصل لأسلافهم زمن شيخ جرذان الحملات الايمانية والذي انتشل مذعوراً من جحره الأخير.
المبغى الحقيقي، أشار اليه مظفر النواب قبل ان ينضح المشهد الراهن عن كل هذه الخسة والجبن والعفن عندما قال: هذا وطن أم مبغى..؟!
جمال جصاني