نستمتع كثيراً بكتب المذكرات الشخصية التي يؤلفها القادة والمثقفون والفنانون وغيرهم خصوصاً اذا ما كان كاتبوها من المعروفين أو المؤثرين في الفترة التي عاشوها وتركوا بصماتهم على عصرهم في مجال اختصاصهم ،ولكن هناك نوع آخر من المذكرات هو الذي يكتبه البعض عن غيره من الشخصيات أو رواية وتحليل احداث وقعت في فترة ما،ولا أطالب هنا ان تحتوي هذه الكتب كل الحقيقة خصوصاً في مجال التحليل والاستنتاج فلكل كاتب وجهة نظره الفكرية والشخصية،ولكن المهم في هذا المجال هو ان يكون الكاتب (منصفاً) في كتابة تاريخ فترة معينة وان يجعل العاطفة الشخصية جانباً ويتحدث بموضوعية عن الاحداث أو الشخصيات التي كان لها تأثير واضح في فترة زمنية ما .
أقول ذلك وقد قرأت كل ما كتب هذا العام وخصوصاً في الصحف وبعض الفضائيات عن ثورة 14 تموز 1958 وعن شخصية قادتها وفي مقدمتهم المرحوم الزعيم عبد الكريم قاسم،وقد توزعت عمليات التقييم من انتقاد(ابادة) العائلة المالكة وايقاف بعض عمليات التنمية التي كان يقوم بها (مجلس الاعمار) الى الاشادة المطلقة بالثورة واسبابها واعتبارها (فتح الفتوح)في تاريخنا،وانا من الذين عاصروا عهد الثورة وحكامه واطلعت على ادق الحوادث،وكان بودي ان يكتب عنها بموضوعية وليس بالعاطفة وحدها،فالثورة باعلانها الجمهورية وخروج العراق من حلف بغداد وتشريع قانون الاصلاح الزراعي وتشريع قانون النفط رقم 80 والخروج من دائرة التعامل بالاسترليني وتوثيق العلاقات مع المنظومة الاشتراكية،قدمت مكاسب كبيرة للشعب العراقي وأثرت على ما بعدها من تطورات ولكن لأكن(وقحاً) أو جريئاً بعض الشيء وليس ناكراً(للجميل)لأقول ان الثورة لم تكن (وردية)بل صبغت بالدماء فترة طويلة من عمرها القصير سواء على مستوى الصراع بين القوى السياسية ووقوف البعض ضد بعض قادتها أو في تعامل السلطة مع معارضيها… وهنا أريد ان اطرح سؤالاً قد يفتح(الفوهات) عليّ حتى من بعض الاصدقاء والزملاء وهو ما هي مقاييس الديكتاتورية والدكتاتور ؟
(قد) يكون الجواب هو:الانفراد بالسلطة واتخاذ القرارات من دون الرجوع للشعب في ظل غياب المؤسسات الديمقراطية المنتخبة،وهوعدم وجود حريات عامة من حيث قيام الاحزاب (الحقيقية) وليست التي تقيمها السلطة،وعدم وجود صحافة حرة أو استعمال اسلوب الغلق والقمع بحق الصحافة التي قد (تخطيء) فتنتقد بعض الظواهر،وهو قمع آراء الآخرين واجتهاداتهم وصولا الى الاعدام والسجن،وقد يكون البعض قد تآمر على الحاكم وليس على(الثورة) كما يكتب،لان الذين تآمروا واكثرهم اعدموا من رجال الثورة البارزين،وقد يكون الاختلاف في الرأي والصراع على السلطة هو السبب الحقيقي،وهنا اريد ان أتساءل:لماذا يكون الحاكم هو صاحب الحقيقة(الاوحد) وغيره متآمرين وخونة؟
لا أريد ان أفتح الجراح،لكني أريد القول ان بعض ما جرت كتابته لم يكن موضوعياً بل اتسم بالعاطفة والانحياز الفردي المجرّد من عملية تطبيق المفهوم(العالمي) للدكتاتورية والدكتاتور على الحاكم والخروج بنتيجة(علمية) غير عاطفية.
يشهد الله انني لا أحقد على احد واعتبر ان ما مضى…مضى و جميع القوى كانت على خطأ في مواقفها وصراعاتها اللاموضوعية،ولكني أؤكد ان الكتابة عن الثورات ورجالاتها يجب ان تتسم بالموضوعية وتأخذ الجوانب الايجابية والسلبية بنظر الاعتبار عند الكتابة،فـ(الضحية) لم يكن بريئاً سواء كان في النظام الملكي أو الجمهوري،ولكننا جميعاً ندين طريقة التعامل في(النهاية)..أما تسطير الجوانب الشخصية التي كانت عامة لدى جميع من حكم العراق الى مرحلة السبعينات كعلامة ايجابية فيجب ان تكون شاملة فالجميع لم يكن مستغلاً ولم يترك إرثاً أو قصراً ولم يحمل في جيبه أو حسابه المئات من الدنانير !
لاشك ان حق(الرد) محفوظ ولكن(الشتيمة) غير مقبولة رجاء