عادل اللامي
الرئيس السابق للهيئة المستقلة للانتخابات
الديمقراطية حكم الأغلبية العادل، والمقصود بالعادل هو عدم طمس حقوق الأقلية، والمقصود بحقوق الاقلية هو ليس مشاركتهم للأغلبية في فترة الحكم وانما حقوقهم الدستورية كحقوقهم المدنية والسياسية وحقوقهم الأقتصادية والاجتماعية والثقافية.
الأغلبية السياسية تتكون من خلال العملية الانتخابية الديمقراطية العادلة على وفق نظام انتخابي عادل يتيح للجميع الحصول على فرص متساوية للترشيح على وفق نظام الأغلبية الأنتخابي او في الأقل على وفق النظام الانتخابي المختلط بين الأغلبية والنسبية بشرط حصول حزب أو تحالف برلمان على النصف +1 من عدد مقاعد البرلمان وكلما زادت هذه النسبة عن ذلك تكون الأغلبية مريحة اكثر، وهنا تجدر الأشارة الى ان رئيس الجمهورية غير مخيّر بتكليف رئيس الوزراء بل هو مجبر بتكليف «مرشح» الكتلة النيابية الاكبر عدداً أي ذات الاغلبية البرلمانية حسب الدستور العراقي.
ان مفهوم الأغلبية السياسية يكون ناجح التطبيق في الدول التي تُؤسس احزابها على أساس المواطنة وذات برامج وطنيّة وليس على الاحزاب المُؤسسة على الخلفية الفئوية كلاحزاب القومية او الدينية خصوصا في الدول متعددة المكونات، فاذا طبّـقنا مبدأ الاغلبية السياسية عندنا سيفوز حزب او أئتلاف ديني شيعي وستستمر معاداته او في الأقل استمرار المعاناة والتشكّي منه لكون الطوائف والاديان الاخرى ستشعر بالتهميش (مثال: تركيا ، ايران، مصر (حكومة محمد مرسي) …). اما لو طبقنا مفهوم الأغلبية السياسية في احزاب البرامج التي تؤسس على اساس المواطنة فسيتمثل فيها كل المكوّنات على اساس المواطنة ولا يشعر احد بالتهميش او العداء للآخرين (مثال : سويسرا، الهند، بريطانيا…). وقد يقول قائل ممكن تطبيق هذا المبدأ في العراق من خلال تشكيل أئتلاف او تحالف برلمان بين حزب شيعي وحزب سني وآخر كردي ويشكلون الأغلبية السياسية ، فنقول هنا صحيح هي اغلبية سياسية ولكنها عودة للمحاصصة الطائفية العرقية وسنعود للمربع الاول وللمحاصصة الحزبوطائفية نفسها وستشعر القوائم العلمانية بالتهميش والتشكّي.
المشرع الدستوري العراقي عندما شرّعَ نص المادة (76) من الدستور ونصّها: (اولا: يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الاكثر عددًا بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية.). فلو كان النص يقول (يكلف رئيس الجمهورية مرشح الحزب أو الكتلة الأنتخابية الاكثر اصواتاً بتشكيل مجلس الوزراء…) لما حصل أي حزب او تحالف انتخابي على ثقة مجلس النواب من دون ان يعود لمبدأ المحاصصة الحزبوطائفية، لذلك جاء تفسير المحكمة الاتحادية العلياً صحيحاً عندما فسّر ان مرشح الكتلة النيابة الأكثر عدداً هو من يكلّف بتشكيل الحكومة لان مفهوم عبارة كتلة نيابية لا يرد بمناسبة الانتخابات بل فقط بمناسبة البرلمان ويطلق بمناسبة الانتخابات كلمات اخرى للدلالة على اشتراك اكثر من حزب في قائمة انتخابية واحدة وتستعمل كلمات مثل تحالف، أئتلاف، اتحاد… وايضاً اورد الدستور في هذه المادة عبارة (…مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً…) وكلمة عدداً تعني عدد اعضاء الكتلة وليس عدد الاصوات التي حصلت عليها. أما على افتراض ان الدستور نص على ان رئيس الجمهورية يكلّف الحزب او الكيان السياسي الفائز باعلى الاصوات لتشكيل الحكومة لكان ذلك افضل واكثر استقراراً ذلك ان هذا سيجبر الاحزاب الى التحالف فيما بينها ويبداً عدد الاحزاب بالتناقص الى ان يكون لدينا حزبان او بضعة احزاب ستتنافس في الانتخابات شريطة تقليل الامتيازات الشخصية لاعضاء البرلمان والغاء تقاعدهم لان ذلك سوف يسرّع عملية تقليل عدد الاحزاب.
ان مفهوم حكومة الأغلبية هو الحل لكثير من مشكلاتنا شريطة ان (لا) تكون الاغلبية السياسية بيد حزب أو أئتلاف من احزاب قائمة على اسس دينية او عرقية أو ايديولوجية ضيّقة لانه سوف يؤدي الى دكتاتورية المكوّن، ونعني بالايديولوجية الضيّقة، هي الأيديولوجيات القائمة على اسس دينية او إلحادية او عرقية وعكسها الايديولوجيات القائمة على اسس اقتصادية او برامج علمية وتنموية.
مفهوم الأغلبية واصلاح العملية السياسية
التعليقات مغلقة