هل هي مصادفة ان تكون قصة الاربعين حرامي ضمن تراثنا الادبي؟
بعيداً عن الجدل واختلاف المسميات لما بعد العام 2003 فهناك من يسميه عام سقوط بغداد، وهناك من يصر على انه عام سقوط النظام. لكن الكل متفق على انه عام التغيير، التغيير الذي لم ينحصر بالنظام الحاكم آنذاك، بل طال عادات واعراف المجتمع، وروح الفرد العراقي.
التغيير الاخطر الذي حصل في العراق والمأسوف عليه هو انحسار القانون الوضعي، فبات كل من هب ودب يدوس عليه بسلطة العشيرة، او سلطة المنصب. لكن، قد يكون القانون المُغيب، فرصة للتعرف على حقيقة اخلاقيات المجتمع، فمن يلزمه القانون الوضعي من دون سواه، فسيعيث فساداً وخراباً لحظة غيابه، ومن يلزمه قانون الضمير فلا فرق لديه، لان الضمير باق بكل الاحوال، لا يطاله الا صاحبه.
بعض العراقيين اليوم يصفون الحكومة بالعمالة لأنها حسب وصفهم «المستهلك» رافقت الاحتلال على دباباته لتدخل ارض العراق، ودليلهم على ذلك انها وحسب وصفهم ايضا «نهبت ميزانية العراق، فأغلبها لصوص همهم الاول مصالحهم الشخصية». لكن هل يبرأ العراقيون من تلك الصفة؟
عندما يسير أحدنا في اغلب شوارع بغداد الرئيسة، أو الفرعية فان اول ملاحظة ستلفت انتباهه، هي ان اصحاب المحال التجارية على العموم سرقوا الرصيف قبالة محالهم، ليعرضوا عليه بضاعتهم التي لم تسعها مساحة المحل، واصحاب دور سكنية سرقوا الرصيف الذي يقع قبالة دورهم ليقوموا بتسييجه، ويستغلوه في بناء مرافق صحية، او مرآب لسياراتهم، او حديقة تكون بديلا عن حديقة البيت التي عادة ما يطمرها صاحبه، ليبني عليها «مشتمل» بمساحة صغيرة أجد ان فيها احتقار واذلال للمحتاجين.
سرقة الرصيف لا تختلف عن سرقة ميزانية البلد. لا بل هي اسوأ. لأنها سرقة معلنة، امام الكل، والأفظع من هذا انهم عادة ما يسيّجون السرقة بمادة غير مكلفة مادياً، تحسباً لإعادة تفعيل القوانين مستقبلا، واضطرارهم لإزالته فيما بعد، لأنهم سرقوا لا لحاجة، بل لأنهم استطاعوا ان يقوموا بفعل السرقة.
المتاجرة التي زحفت الى الاخلاق وصلت الى اوجها بعد العام 2003 حتى بات النهي عن المنكر، والامر بالمعروف، كرة تتلاقفها اقدام المتلاعبين بالعقول، فكل يصور المعروف ويصور المنكر حسب اهوائه، وحسب طبيعة البيئة التي نشأ بها، وطريقة التفكير التي اعتاد عليها.
ما يمر به العراق اليوم هو امتحان، ليس ربانياً كما يعتقد الكثير، بل امتحان اخلاقي، ففي ظل غياب القانون لم يُقدم الكل على السرقة، لكن في ظل غياب الضمير، نعم، فكل من غيّب ضميره سرق، وقتل. فالعيب ليس بدولة لا تحتكم الى القانون الوضعي فحسب، بل بشعب لا يحتكم الى قانون الرب الذي يحثنا على ان نكون بشرًا، نحترم بعضنا البعض، ولا الى قانون الضمير الذي يحيدنا عن ارتكاب الخطأ.
احلام يوسف
علي بابا وملايين الحرامية
التعليقات مغلقة