خزعل الماجدي
رماد التوابيت
ماذا تهيئ الأرضُ لكَ ولي.. ماذا تهيئُ السفنُ والأفلاكُ.. تلك
التي أنا ناظرٌ فيها طبقاتي وسلاسلَ بكورياتي وزجاجي الذي
يخفقُ بالمعاني.. وهنا أو هناك كان يحنّ العمى لليدين وكان
الوردُ يلمعُ في عقلِ مجنونٍ شريد.
معي السلوان أشربُ من قِربهِ وأمحو ذكرَ مدائِنِه ومعي رهطُ
التناسخِ الذي مَلكَهُ قبلي الكهنةُ الخلاصيون، وأنا سأمطرُ وأبلُّ
الكلمات بوابلِ الحصاد وأمهر باسمي كلَّ نبضٍ وكلَّ شهقةٍ خائفاً
من وله الجهات بي.
والآن، أيها الفأسِ الذي انحنيتُ عليه كما أنحني على أنثى،
سألاقيكَ وسنحتكمُ أنا وأنت لجعجعةِ الكلام، خرزنا في الفضاء
وخفايانا على حافةِ الهاوية. أنا الذي ألقيتُ على خرائدي شمعةَ
النهار وأنت الذي انتبهت للأبواغِ فسكنتها، كلٌّ منا قاصدٌ أَديمَ
الترابِ وقد رشَّنا ماءُ السماءِ وبللت دموعُ الأرض أقدامَنا ولفّنا
الهواءُ في مغزلِهِ، كلُّ يدورُ في اتجاهٍ، لنتعاصمَ أو نتحزَّمَ بالبروق
والمغزلُ يدور.
يأكل من سدرا
للوهلة الأولى
شعرُها يتمدد في روحها
وسوادُه يثمل جسدها
رائحته ونكهةُ ثناياها
كنتُ أستنشق الخشبَ
وكان البحرُ يبتعد عني
بعيداً في منابت الرماح القصيّة
وكانت رفوف المياه تحملُ الشجن
لم تكن هناك طيورٌ
كان ثمة حياة تتدربُ في مشيها الوئيد
وثمة أجراسٌ لا تدق
وكان صوتٌ في البرّية يكرزُ
ومزاميرٌ تلتهبُ
وكان آدم يدحرجُ خطاياه ليرميها في البحر
لكن البحر يبتعد عنه
الصحف عند حافة المشاعل والأيامُ تتفرّسُ في يديه
كان هناك ما يشبه الحتفَ لكنه كان يتعرّى وحيداً أمام القمر
وكان يتلو قرآنه حتى يغمى عليه
يسمع صوت الروح تبكي في الجسد
من يرفعها بغصنٍ من طينها
من يشد على يدها ويقويّها وهي تزداد ضعفاً هناك
تتقطّع وتتلوّى
كلّ الخوف.. كلّ الليل.. كلّ الجمر هناك
العالم ممدودٌ.. والنور رهينة سرب معتم
أكل من شجرة السدر
تقشر جسده
وظهر شبابه لامعاً في العيون
وطراوة الجلد والشعر
الشجرة التي اسمها: يعود الشيخ إلى صباه
تعيد وجهه إلى وجه صبيِّ
ثم وجه جنينٍ
وآدم مغشيٌّ عليه وسط الكلمات
عدّ النجوم ونام
لامسَ السماءَ ونام
رأى الأبواب فدخلها ونام
أمسك السنابل وتوغل في الماء ولم تصل إليه العبارةُ خلسةً
كان هناك يلمّ المساء من سطح السماء
النجومُ تحدّق بنا بخبث
وآدم ما زال ممدداً في البريّة.
من رمى بي في بركة الظلام؟
هناك في الأرض البيضاء
أين هو طريق الروح
لن أرجع إلى الجسد وأريد إشارات الصعود
أين الماء الحيّ
منهل السعادة
أين سدرا الكون يمسكها الملاك
أين العِرق الخفيّ للنور في هذا الظلام
أحاطت الشياطين بي وما عدتُ أحتمل
نهبَ ثوبي المارقون
النهار متصدعٌ
والليلُ مكظومٌ
ومثلما تشق الأنامل طريقها إلى التراب
يشقّ الألم طريقه إليّ
شواطئ الأيام تسيل حزماً ويخرجُ
أفقي مترعاً بالآس
من رمى بي في بركة الظلام؟
من أحاطني بالسلاسل؟
من ألبسني الجلد الملوّن؟
ربما كنتُ صولةً ضاربةً فاشلةً وكان الحجر أشدّ مني
الجماجم مفطّرة.. لماذا الجماجمُ مفطّرة؟
ولماذا الجراح كثيرة
أتخطى أسلاك المعابد ورفيفها الشائك
لِمَ عدت أيها الليل؟
لِمَ صبغت عيوني بمصلكَ؟
ولِمَ عبثتَ بحنجرتي؟
في ثقوب الليل أغني
حلَّ القمرُ وثاقي
ووقفت قبالة حصن النار وبكيت
كان الماءُ يبلّ ساقي
وفي ثقوب الليل كنتُ أغني
داخل غرف أيامي الصدئة علّقتُ صحفي
وحشدتُ لها أكثر من طائر
وضعتُ فيها أسئلتي وألغازي
وكتبت فيها قصة التكوين التي عرفتها
لكن فصيلاً نادراً من الزواحف اعترضَ عليّ
وروى قصة أخرى.
في قلبي وجدت أسراراً مهملة
وضعتُ معها أسماكاً صغيرة
فتنشط الاثنان
لم رفّت أفواج الحمام على فجر اليابسةِ؟
ولم انتصبت سبعة وسبعة قدور تغلي؟
يمسك أفواهها غسقٌ يسحبه الحيوان والشمس والأفلاكُ
كان ذلك رمياً في البعيد
وكان هو يتقدم إلى البحر ويطبلُ.
قاربت الحكاية على النهاية
و آن لي العودة إلى بيتي
لماذا نمت طويلاً هناك في يديّ
وفي خطوط الأطلس المعتم؟
هناك أيتها الهيامات الكبرى والأبواق الساطعة
وكانت سحابات النور تسري أمامي
نبضت فيها الكلمات
وأنا في ثقوب الليل أغني.