الدكتور سعد حمزة ناصح
يشهد العالم تطورًا متسارعًا في مجال الذكاء الاصطناعي، مما أدى إلى اعتماد العديد من المؤسسات الإدارية على هذه التقنية لتحسين جودة الخدمات وسرعة إنجاز المعاملات. وقد أصبح إدماج الذكاء الاصطناعي في الخدمات الإدارية أحد أبرز مظاهر التحول الرقمي، لما يوفره من مزايا تتعلق بالدقة والكفاءة، إلا أن هذا الإدماج يثير العديد من الإشكالات القانونية التي تقتضي الدراسة والتحليل في ضوء أحكام القانون المدني العراقي.
تتعلق أبرز الإشكالات القانونية بمسألة تكوين العقود الإدارية التي تتم عبر أنظمة الذكاء الاصطناعي. فالعقود التي يتم إبرامها عبر المنصات الذكية تعتمد غالبًا على برمجيات قادرة على تنفيذ الاتفاقيات تلقائيًا دون تدخل بشري مباشر، مما يثير تساؤلات حول مدى تحقق الإرادة القانونية للأطراف المتعاقدة. وقد أشار القانون المدني العراقي في المادة (73) إلى أن التعبير عن الإرادة يمكن أن يكون صريحًا أو ضمنيًا، وهو ما يفتح الباب لتفسير مدى توافق العقود الذكية مع هذا النص القانوني.
كما يثير استخدام الذكاء الاصطناعي في الخدمات الإدارية مسألة المسؤولية المدنية الناتجة عن الأخطاء التقنية أو الخوارزميات الخاطئة التي قد تؤدي إلى أضرار مادية أو معنوية للأفراد. في هذا السياق، يمكن الاستناد إلى المادة (202) من القانون المدني العراقي التي تنظم المسؤولية عن الأشياء الخطرة، باعتبار الأنظمة الذكية أدوات إلكترونية يستخدمها الشخص الطبيعي أو المعنوي في تنفيذ الأعمال الإدارية. ويعد تحديد المسؤولية في هذه الحالة من القضايا المعقدة التي تتطلب تفسيرًا قانونيًا دقيقًا لضمان حماية حقوق المتضررين.
وفيما يتعلق بحماية البيانات الشخصية التي يتم جمعها ومعالجتها عبر الأنظمة الذكية، فإن القانون المدني العراقي في المادة (192) يؤكد مبدأ الالتزام بعدم الإضرار بالغير، مما يفرض على الجهات الإدارية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي الالتزام بتوفير آليات تحمي خصوصية الأفراد وتمنع إساءة استخدام بياناتهم. ويستوجب ذلك وضع أطر تشريعية واضحة تنظم جمع البيانات وتخزينها ومعالجتها في ظل التطورات التكنولوجية الحديثة.