وداد إبراهيم
رغم التطور والتغيرات الاجتماعية، لا تزال العادات العراقية تفرض حضورها بقوة على أجواء شهر رمضان، إذ تسودها الحميمية والمحبة، وتبقى مشاهد الإفطار الجماعي التي تُقام في العديد من المناطق ظاهرة اجتماعية وإنسانية مميزة. فإلى جانب دورها في تعزيز الألفة بين الناس، تساهم هذه التجمعات في محو الفوارق الاجتماعية، حيث يجتمع أهالي المحلة أو المنطقة على مائدة واحدة، متقاسمين وجبة الإفطار مع الفقراء والمتعففين، مما يجعلها مشهداً إنسانياً يعكس تلاحم العراقيين وتكاتفهم في مواجهة الطائفية والتفرقة.
وفي مناطق مثل فضوة عرب، إحدى أقدم الأحياء التراثية في بغداد، تتجلى هذه الظاهرة بوضوح، حيث يعيش فيها شرائح من العمال والكسبة الذين ينظمون وجبات إفطار وسحور جماعية تسودها روح التعاون والتآخي. تستمر السهرات الرمضانية في هذه المنطقة حتى موعد السحور، حيث يعلو صوت طبلة أبو سلمان، أحد أقدم المسحراتية هناك، ليوقظ العوائل لتحضير وجبة السحور، التي غالباً ما تتكون من أطعمة بسيطة وخفيفة مثل اللبن، والأرز مع الخبز، والشاي.
ويستذكر أبو سلمان جولاته في أزقة فضوة عرب وهو ينادي: “يا نائم سحور” حيث كان يدعو الأهالي لتناول السحور، وأحياناً يرافقه بعض الأصدقاء، فيما يحرص أهل المنطقة على استضافته وتقديم وجبات السحور له. فيقول مبتسماً: “لم أتناول وجبة السحور في بيتي قط، لأن أهالي المحلة يهدون لي وجبة كاملة كل ليلة”. وهكذا، يبقى المسحراتي جزءاً أصيلاً من الذاكرة الرمضانية، وصوته رمزاً للترابط والتقارب بين الناس.
وجبات إفطار شعبية وجلسات رمضانية
التعليقات مغلقة